لما فرغ سبحانه من إرشاده عباده إلى ذكره وشكره عقب ذلك بإرشادهم إلى الاستعانة بالصبر والصلاة فإن من جمع بين ذكر الله وشكره واستعان بالصبر والصلاة على تأدية ما أمر الله به ودفع ما يرد عليه من المحن فقد هدي إلى الصواب ووفق إلى الخير وإن هذه المعية التي أوضحهغا الله بقوله : ١٥٣ - ﴿ إن الله مع الصابرين ﴾ فيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال وإن كانت الجبال
١٥٤ - ﴿ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ﴾ وأموات وأحياء مرتفعان على أنهما خبران لمحذوفين : أي لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات بل هم أحياء ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب روحهم لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ وفي الآية دليل على ثبوت عذاب القبر ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة ودلت عليه الآيات القرآنية ومثل هذه الآية قوله تعالى :﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾
والبلاء أصله المحنة ومعنى نبلونكم : تمتحنكم لنختبركم هل تصبرون على القضاء أم لا ؟ وتنكير شيء للتقليل : أي بشيء قليل من هذه الأمور وقرأ الضحاك بأشياء والمراد بالخوف : ما يحصل لمن يخشى من نزول ضرر به من عدو أو غيره وبالجوع : المجاعة التي تحصل عند الجدب والقحط وبنقص الأموال : ما يحدث فيها بسبب الجوائح وما أوجه الله فيها من الزكاة ونحوها وبنقص الأنفس : الموت والقتل في الجهاد وبنقص الثمرات : ما يصيبها من الآفات وهو من عطف الخاص على العام لشمول الأموال للثمرات وغيرها - وقيل : المراد بنقص الثمرات : موت الأولاد وقوله : ١٥٥ - ﴿ وبشر الصابرين ﴾ أمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم أو لكل من يقدر على التبشير وقد تقدم معنى البشارة والصبر أصله الحبس ووصفهم بأنهم المسترجعون عند المصيبة لأن ذلك تسليم ورضا