لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله :﴿ وإلهكم إله واحد ﴾ عقب ذلك بالدليل الدال عليه وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأبى بشيء منها أو يقتدر عليه أو على بعضه وهي خلق السموات وخلق الأرض وتعاقب الليل والنهار وجري الفلك في البحر وإنزال المطر من السماء وإحياء الأرض به وبث الدواب منها بسببه وتصريف الرياح فإن من أمعن نظره وأعمل فكره في واحد منها انبهر له وضاق ذهنه عن تصور حقيقته وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر والنهار : ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس وقال النضر بن شميل : أول النهار طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار وكذا قال ثعلب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت :
( والشمس تطلع كل آخر ليلة | حمراء يصبح لونها يتورد ) |
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه و سلم : ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا نتقوى به على عدونا فأوحى الله إليه : إني معطيهم فأجعل لهم الصفا ذهبا ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال :[ رب دعني وقومي فأدعوهم يوما بيوم ] فأنزل الله هذه الآية وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج وكيع والفريابي وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال : لما نزلت ﴿ وإلهكم إله واحد ﴾ عجب المشركون وقالوا : إن محمدا يقول :﴿ وإلهكم إله واحد ﴾ فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله ﴿ إن في خلق السموات والأرض ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء نحوه وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سليمان قال : الليل موكل به ملك يقال له شراهيل فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة فإذا غربت جاء الليل فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها فإذا طلعت جاء النهار وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ والفلك ﴾ قال : السفينة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال :﴿ بث ﴾ خلق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وتصريف الرياح ﴾ قال : إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب وبشرا بين يدي رحمته وإذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء في القرآن من الريح فهي عذاب وقد ورد في النهي عن سب الريح وأوصافها أحاديث كثيرة لا تعلق لها بالآية