لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة لقوله تعالى :﴿ فاعف عنهم واصفح ﴾ وقوله :﴿ واهجرهم هجرا جميلا ﴾ وقوله :﴿ لست عليهم بمصيطر ﴾ وقوله :﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ ونحو ذلك مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ونزلت هذه الآية وقيل : إن أول ما نزل قوله تعالى :﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ﴾ فلما نزلت الآية كان صلى الله عليه و سلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزل قوله تعالى :﴿ اقتلوا المشركين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وقاتلوا المشركين كافة ﴾ وقال جماعة من السلف : إن المراد بقوله : ١٩٠ - ﴿ الذين يقاتلونكم ﴾ من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأول هو مقاتلة من يقاتل من الطوائف الكفرية والمراد به على القول الثاني مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدم ذكره
قوله : ١٩١ - ﴿ حيث ثقفتموهم ﴾ يقال : ثقف يثقف ثقفا ورجل ثقيف : إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور قال في الكشاف : والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة ومنه رجل ثقف : سريع الأخذ لأقرانه انتهى ومنه قول حسان :
( فإما يثقفن بني لؤي | جذيمة إن قتلهم دواء ) |
قوله :
﴿ وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ﴾ أي مكة قال ابن جرير : الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار قريش انتهى وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر ربه فأخرج من مكة من لم يسلم عند أن فتحها الله عليه وقوله :
﴿ والفتنة أشد من القتل ﴾ أي الفتنة التي أرادوا أن يفتنوكم وهي رجوعكم إلى الكفر أشد من القتل وقيل المراد بالفتنة : المحنة التي تنزل بالإنسان في نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه وقيل : إن المراد بالفتنة الشرك الذي عليه المشركون لانهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم فأخبرهم الله أن الشرك الذي هم عليه أشد مما يستعظمونه وقيل : المراد فتنتهم إياكم يصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم إياهم في الحرم أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم والظاهر أن المراد الفتنة في الدين بأي سبب كان وعلى أي صورة اتفقت فإنها أشد من القتل قوله :
﴿ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ﴾ الآية اختلف أهل العلم في ذلك فذهبت طائفة إلى أنها محكمة وأنه لا يجوز القتال في الحرم إلا بعد أن يتعدى بالقتال فيه فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة له وهذا هو الحق وقالت طائفة : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :
﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع ممكن ببناء العام على الخاص فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم ومما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه و سلم :[ إنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ] وهو في الصحيح وقد احتج القائلون بالنسخ بقتله صلى الله عليه و سلم لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة : ويجاب عنه بأنه وقع في تلك الساعة التي أحل الله لرسوله صلى الله عليه و سلم