والعزة : القوة والغلبة من عزه يعزه : إذا غلبه ومنه ﴿ وعزني في الخطاب ﴾ وقيل العزة هنا : الحمية ومنه قول الشاعر :

( أخذته عزة من جهله فتولى مغضبا فعل الضجر )
وقيل العزة هنا : المنعة وشدة النفس ومعنى : ٢٠٦ - ﴿ أخذته العزة بالإثم ﴾ حملته العزو على الإثم من قولك أخذته بكذا : إذا حملته عليه وألزمته إياه وقيل : أخذته العزة بما يؤثمه : أي ارتكب الكفر للعزة ومنه :﴿ بل الذين كفروا في عزة وشقاق ﴾ وقيل الباء في قوله :﴿ بالإثم ﴾ بمعنى اللام : أي أخذته العزة والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه وهو النفاق وقيل الباء بمعنى مع : أي أخذته العزة من الإثم وقوله :﴿ فحسبه جهنم ﴾ أي كافيه معاقبة وجزاء كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك وأنت تستعظم عليه ما حل به والمهاد جمع المهد وهو الموضع المهيأ للنوم ومنه مهد الصبي وسميت جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار وقيل المعنى : أنها بدل لهم من المهاد كقوله :﴿ فبشرهم بعذاب أليم ﴾ وقول الشاعر :
( تحية بينهم ضرب وجيع )
٢٠٧ - ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ﴾ ويشري بمعنى يبيع : أي يبيع نفسه في مرضاة الله كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومثله قوله تعالى :﴿ وشروه بثمن بخس ﴾ وأصله الاستبدال ومنه قوله :﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ﴾ ومنه قول الشاعر :
( وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه )
ومنه قول الآخر :
( يعطي بها ثمنا فيمنعها... ويقول صاحبه ألا تشرى )
والمرضاة : الرضا تقول : رضي يرضى رضا ومرضاة ووجه ذكر الرأفة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ويثيبهم عليه فكان ذلك رأفة بهم ولطفا لهم
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أسبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذي هلكوا هكذا لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ؟ فأنزل الله :﴿ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ﴾ أي ما يظهر من الإسلام بلسانه ﴿ ويشهد الله على ما في قلبه ﴾ أنه مخالف لما يقوله بلسانه :﴿ وهو ألد الخصام ﴾ أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك ﴿ وإذا تولى ﴾ خرج من عندك ﴿ سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ﴾ أي لا يحب عمله ولا يرضى به ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ﴾ الذين يشرون أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك : يعني هذه السرية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله :﴿ ومن الناس من يعجبك ﴾ الآية قال : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه و سلم المدينة وقال : جئت أريد الإسلام ويعلم الله أني لصادق فأعجب النبي صلى الله عليه و سلم ذلك منه فذلك قوله :﴿ ويشهد الله على ما في قلبه ﴾ ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه و سلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله ﴿ وإذا تولى سعى في الأرض ﴾ الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وهو ألد الخصام ﴾ قال : هو شديد الخصومة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله :﴿ وإذا تولى سعى في الأرض ﴾ قال : عمل في الأرض ﴿ ويهلك الحرث ﴾ قال : نبات الأرض ﴿ والنسل ﴾ نسل كل شيء من الحيوان الناس والدواب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا أنه سئل عن قوله :﴿ وإذا تولى سعى في الأرض ﴾ قال : يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم فيحبس الله بذلك القطر من السماء فتهلك بحبس القطر الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ مجاهد :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ﴾ الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله :﴿ ويهلك الحرث والنسل ﴾ قال : الحرث الزرع والنسل : نسل كل دابة وأخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقول الرجل لأخيه : اتق الله فيقول عليك بنفسك أنت تأمرني وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال : قال رجل لمالك بن مغول : اتق الله فسقط فوضع خده على الأرض تواضعا لله وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ ولبئس المهاد ﴾ قال : بئس المنزل وأخرجا عن مجاهد قال : بئس ما شهدوا لأنفسهم وأخرج ابن مردويه [ عن صهيب قال : لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه و سلم قالت لي قريش : يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج وأنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا : نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ربح البيع صهيب مرتين ] وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل عن صهيب نحوه وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس قال : نزلت في خروج صهيب إلى النبي صلى الله عليه و سلم وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : هم المهاجرون والأنصار


الصفحة التالية
Icon