المحافظة على الشيء : المداومة والمواظبة عليه والوسطى : تأنيث الأوسط وأوسط الشيء ووسطه : خياره ومنه قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ﴾ ومنه قول بعض العرب : يمدح النبي صلى الله عليه و سلم :
( يا أوسط الناس طرأ في مفاخرهم | وأكرم الناس أما برة وأبا ) |
لا سيما إذا عارض ما قد ثبت عنه صلى الله عليه و سلم ثبوتا يمكن أن يدعى فيه التواتر وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعدهم من التابعين وتابعهم بالأولى وهكذا لا تقوم الحجة بما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال : صلاة الوسطى المغرب وهكذا لا اعتبار بما ورد من قول جماعة من الصحابة أنها الظهر أو غيرها من الصلوات ولكن المحتاج إلى إمعان نظر وفكر ما ورد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم مما فيه دلالة على أنها الظهر كما أخرجه ابن جرير عن زيد بن ثابت مرفوعاص :[ إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ] ولا يصح رفعه بل المروي عن زيد بن ثابت ذلك من قوله واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي بالهاجرة وكانت أثقل الصلاة على أصحابه وأين يقع هذا الاستدلال من تلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم وهكذا الاعتبار بما روي عن ابن عمر من قوله : إنها الظهر وكذلك ما روي عن عائشة وأبي سعيد الخدري وغيرهم فلا حجة في قول أحد من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما ما رواه عبد الرزاق وابن جرير وغيرهما أن حفصة قالت لأبي رافع مولاها وقد أمرته أن يكتب لها مصحفا :
إذا أتيت على هذه الآية ﴿ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ﴾ فتعال حتى أمليها عليك فلما بلغ ذلك أمرته أن يكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وأخرجه أيضا عنها مالك وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه وزادوا : وقالت أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم [ عن أبي يونس مولى عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ﴿ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ﴾ قال : فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر قالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ] وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أم سلمة أنها أمرت من يكتب لها مصحفا وقالت له كما قالت حفصة وعائشة فغاية ما في هذه الروايات عن أمهات المؤمنين الثلاث رضي الله عنهن أنهن يروين هذا الحرف هكذا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس فيه ما يدل على تعيين الصلاة الوسطى أنها الظهر أو غيرها بل غاية ما يدل عليه عطف صلاة العصر على صلاة الوسطى أنها غيرها
لأن المعطوف غير المعطوف عليه وهذا الاستدلال لا يعارض ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم ثبوتا لا يدفع أنها العصر كما قدمنا بيانه فالحاصل أن هذه القراءة التي نقلتها أمهات المؤمنين الثلاث بإثبات قوله : وصلاة العصر معارضة بما أخرجه ابن جرير [ عن عروة قال : كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ] وأخرج وكيع عن حميدة قالت : قرأت في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب مثله وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم أن عائشة أمرت بمصحف لها أن يكتب وقالت : إذا بلغتم ﴿ حافظوا على الصلوات ﴾ فلا تكتبوها حتى تؤذنوني فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت : اكتبوها صلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال : كان مكتوبا في مصحف حفصة [ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ] وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه كان يقرأها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير والطحاوي عن ابن عباس
أنه كان ليقرأها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج المحاملي عن السائن إبن يزيد أنه تلاها كذلك فهذه الروايات تعارض تلك الروايات باعغتبار التلاوة ونقل القراءة ويبقى ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم من التعين صافيا عن شوب كدر المعارضة على أنه قد ورد ما يدل على نسخ تلك القراءة التي نقلتها حفصة وعائشة وأم سلمة فأخرج عبد إبن حميد ومسلم وأبو داوود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب قال : نزلت حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأنها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاء الله ثم نسخها الله فأنزل ﴿ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ﴾ فقيل له إذا صلاة العصر ؟ قال : قد حدثتك كيف نزلت وكيف نسخها الله واللع أعلم وأخرج البيهقي عنه بوجه آخر نحوه وإذا تقرر لك هذا وعرفت ما سقناه تبين لك أنه لم يرد ما يعارض أن الصلاة الوسطى صلاة العصر أما حجج بقيت الأقوال فليس فيها شيء مما ينبغي الإشتغال به لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله علايه وسلم في ذلك شيء وبعض القائلين عول على أمر لا يعول عليه فقال : إنها صلاة كذا بأنها وسطى بالنسبة إلا أن قبلها كذا من الصلوات وبعدها كذا من الصلوات وهذا الرأي المحض والتخمين البحت لا ينبغي أن تستند إليه الأحكام الشرعية على فرض عدم وجود ما يعارضه عن النبي صلى الله عليه و سلم فكيف مع وجود ما هو في أعلى درجات الصحة والقوة والثبوت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ ويا لله العجب من قوم لم يكتفوا بتقصيرهم في علم السنة وإعراضهم عن خير العلوم وأنفعها حتى كلفوا أنفسهم التكلم على أحكام الله والتحري على تفسير كتاب الله بغير علم ولا هدى فجاءوا بما يضحك منه تارة ويبكي منه أخرى قوله :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ القنوت قيل : هو الطاعة : أي قوموا لله في صلاتكم طائعين قاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي وقيل : هو الخشوع قاله ابن عمر ومجاهد ومنه قول الشاعر :
( قانتا لله يدعو ربه | وعلى عمد من الناس اعتزل ) |