قوله : ٢٥٥ - ﴿ لا إله إلا هو ﴾ أي لا معبود بحق إلا هو وهذه الجملة خبر المبتدأ والحي : الباقي وقيل : الذي لا يزول ولا يحول وقيل : المصرف للأمور والمقدر للأشياء قال الطبري عن قوم إنه يقال حي كما وصف نفسه ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه وهو خبر ثان ومبتدأ محذوف والقيوم القائم على كل نفس بما كسبت وقيل : القائم بذاته المقيم لغيره وقيل : القائم بتدبير الخلق وحفظه وقيل : هو الذي لا ينام وقيل : الذي لا بديل له وأصل قيوم قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء وقرأ ابن مسعود وعلقمة والنخعي والأعمش الحي القيام بالألف وروي ذلك عن عمر ولا خلاف بين أهل اللغة أن القيوم أعرف عند العرب وأصح بناء وأثبت علة والسنة : النعاس في قول الجمهور والنعاس : ما يتقدم النوم من الفتور وانطباق العينين فإذا صار في القلب صار نوما وفرق المفصل بين السنة والنعاس والنوم فقال : السنة من الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب انتهى والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم أن السنة لا يفقد معها العقل بخلاف النوم فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر والمراد أنه لا يعتريه سبحانه شيء منهما وقدم السنة على النوم لكونها تتقدمه في الوجود قال الرازي في تفسيره : إن السنة ما تتقدم النوم فإذا كانت عبارة عن مقدمة النوم فإذا قيل : لا تأخذه سنة دل على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى فكان ذكر النوم تكرارا قلنا : تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم والله أعلم بمراده انتهى وأقول : إن هذه الأولولية التي ذكرها غير مسلمة فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس وإذا ورد على القلب والعين دفعة واحدة فإنه قال له نوم ولا يقال له سنة فلا يستلزم نفي السنة نفي النوم وقد ورد عن العرب نفيهما جميعا ومنه قول زهير :
( ولا سنة طوال الدهر تأخذه | ولا ينام وما في أمره فند ) |
( تحف بهم بيض الوجوه وعصبة | كراسي بالأخبار حين تنوب ) |
( فلما علونا واستوينا عليهم | تركناهم صرعى لنسر وكاسر ) |
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله :﴿ الحي ﴾ أي حي لا يموت ﴿ القيوم ﴾ القائم الذي لا بديل له وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في قوله :﴿ القيوم ﴾ قال : القائم على كل شيء وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : القيوم الذي لا زوال له وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾ قال : السنة النعاس والنوم هو النوم وأخرجوا إلا البيهقي عن السدي قال : السنة ريح النوم الذي تأخذه في الوجه فينعس الإنسان وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ يعلم ما بين أيديهم ﴾ قال : ما مضى من الدنيا ﴿ وما خلفهم ﴾ من الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ما بين أيديهم ﴾ ما قدموا من أعمالهم ﴿ وما خلفهم ﴾ ما أضاعوا من أعمالهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ وسع كرسيه ﴾ قال : علمه ألا ترى إلى قوله :﴿ ولا يؤوده حفظهما ﴾ وأخرج الدارقطني في الصفات والخطيب في تاريخه عنه قال :[ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قول الله ﴿ وسع كرسيه ﴾ قال : كرسيه موضع قدمه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز و جل ] وأخرجه الحاكم وصححه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي موسى الأشعري مثله موقوفا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته : يعني الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر الغفاري : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ والذي نفسي بيده ما السموات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة ] وأخرج عبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن عمر قال :[ أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب سبحانه وقال : إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد من ثقله ] وفي إسناده عبد الله بن خليفة وليس بالمشهور وفي سماعه من عمر نظر ومنهم من يرويه عن عمر موقوفا وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا : أنه موضع القدمين وفي إسناده الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك وقد ورد عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم في وصف الكرسي آثار لا حاجة في بسطها وقد روى أبو داود في كتاب السنة من سننه من حديث جبير بن مطعم حديثا في صفته وكذلك أورد ابن مردويه عن بريدة وجابر وغيرهما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا يؤوده حفظهما ﴾ قال : لا يثقل عليه وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ ولا يؤوده ﴾ قال : ولا يكثره وأخرج ابن جرير عنه قال : العظيم الذي قد كمل في عظمته
واعلم أنه قد ورد في فضل هذه الآية أحاديث فأخرج أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي بن كعب [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سأله أي آية من كتاب الله أعظم ؟ قال : آية الكرسي قال : ليهنك العلم أبا المنذر ] وأخرج النسائي وأبو يعلى وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وصححه عن أبي بن كعب : أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بداية شبه الغلام المحتلم قال : فسلمت فرد السلام فقلت : ما أنت جني أم إنسي ؟ قال : جني قلت : ناولني يدك فناولني فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب فقلت : هكذا خلق الجن ؟ قال : لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني قلت : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك فقال له أبي : فما الذي يجيرنا منكم ؟ قال : هذه الآية آية الكرسي التي في سورة البقرة [ من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي - فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال : صدق الخبيث ] وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري [ أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان أي آية في القرآن آعظم ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم :﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾ حتى انقضت الآية ] وأخرج أحمد من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج الدارمي عن أنفع بن عبد الله الكلاعي نحوه وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال :[ وكلني رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو وذكر قصة وفي آخرها أنه قال له : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت : ما هي ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح - فأخبر أبو هريرة بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أما إنه صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب يا أبا هريرة ؟ قال : لا قال : ذلك شيطان كذا ] وأخرج نحو ذلك أحمد عن أبي أيوب وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ أعظم آية في كتاب الله - الله لا إله إلا هو الحي القيوم ] وأخرج نحوه أحمد والحاكم و