فأجابهم فرعون بقوله :﴿ نعم وإنكم لمن المقربين ﴾ أي إن لكم لأجرا وإنكم مع هذا الأجر المطلوب منكم لمن المقربين لدينا
قوله : ١١٥ - ﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ﴾ هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل : فما قالوا لموسى بعد أن قال لهم فرعون :﴿ نعم وإنكم لمن المقربين ﴾ والمعنى : أنهم خيروا موسى بين أن يبتدئ بإلقاء ما يلقيه عليهم أو يبتدئوه هم بذلك تأدبا معه وثقة من أنفسهم بأنهم غالبون وإن تأخروا وأن في موضع نصب قاله الكسائي والفراء : أي إما أن تفعل الإلقاء أو نفعله نحن
فأجابهم موسى بقوله : ١١٦ - ﴿ ألقوا ﴾ اختار أن يكونوا المتقدمين عليه بإلقاء ما يلقونه غير مبال بهم ولا هائب لما جاءوا به قال الفراء : في الكلام حذف المعنى : قال لهم موسى إنكم لن تغلبوا ربكم ولن تبطلوا آياته وقيل هو تهديد : أي ابتدئوا بالإلقاء فستنظرون ما يحل بكم من الافتضاح والموجب لهذين التأويلين عند من قال بهما أنه لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر ﴿ فلما ألقوا ﴾ أي حبالهم وعصيهم ﴿ سحروا أعين الناس ﴾ أي قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاءوا به من التمويه والتخييل الذي يفعله المشعوذون وأهل الخفة ﴿ واسترهبوهم ﴾ أي أدخلوا الرهبة في قلوبهم إدخالا شديدا ﴿ وجاؤوا بسحر عظيم ﴾ في أعين الناظرين لما جاءوا به وإن كان لا حقيقة له في الواقع
قوله : ١١٧ - ﴿ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ﴾ أمره الله سبحانه عند أن جاء السحرة بما جاءوا به من السحر أن يلقي عصاه ﴿ فإذا هي ﴾ أي العصا ﴿ تلقف ما يأفكون ﴾ قرأ حفص ﴿ تلقف ﴾ بإسكان اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد القاف من تلقف يتلقف يقال : لقفت الشيء وتلقفته : إذا أخذته أو بلغته قال أبو حاتم : وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد قال الشاعر :

( أنت عصا موسى التي لم تزل تلقم ما يأفكه الساحر )
و ما في ﴿ ما يأفكون ﴾ مصدرية أو موصولة : أي إفكهم أو ما يأفكونه سماه إفكا لأنه لا حقيقة له في الواقع بل هو كذب وزور وتمويه وشعوذة
١١٨ - ﴿ فوقع الحق ﴾ أي ظهر وتبين لما جاء به موسى ﴿ وبطل ما كانوا يعملون ﴾ من سحرهم : أي تبين بطلانه
١١٩ - ﴿ فغلبوا ﴾ أي السحرة ﴿ هنالك ﴾ أي في الموقف الذي أظهروا فيه سحرهم ﴿ وانقلبوا ﴾ من ذلك الموقف ﴿ صاغرين ﴾ أذلاء مقهورين
١٢٠ - ﴿ وألقي السحرة ساجدين ﴾ أي خروا ساجدين كأنما ألقاهم ملق على هيئة السجود أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا أنفسهم
وجملة ١٢١ - ﴿ قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قالوا عند سجودهم أو في سجودهم وإنما قالوا هذه المقالة وصرحوا بأنهم آمنوا برب العالمين


الصفحة التالية
Icon