قوله : ١٥٩ - ﴿ ومن قوم موسى ﴾ لما قص الله علينا ما وقع من السامري وأصحابه وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين : قص علينا سبحانه أن من قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدم ذكرهم ووصفهم بأنهم ﴿ يهدون بالحق ﴾ أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق ﴿ وبه ﴾ أي بالحق ﴿ يعدلون ﴾ بين الناس في الحكم وقيل : هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم منهم
١٦٠ - ﴿ وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا ﴾ الضمير يرجع إلى قوم موسى المتقدم ذكرهم : لا إلى هؤلاء الأمة منهم الذين يهدون بالحق وبه يعدلون والمعنى : صيرناهم قطعا متفرقة وميزنا بعضهم من بعض وهذا من جملة ما قصه الله علينا من النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل والمعنى : أنه ميز بعضهم من بعض حتى صاروا أسباطا كل سبط معروف على انفراده لكل سبط نقيب كما في قوله تعالى :﴿ وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ﴾ وقد تقدم وقوله :﴿ اثنتي عشرة ﴾ هو ثاني مفعولي قطعنا لتضمنه معنى التصيير وأسباطا تمييز له أو بدل منه أو ﴿ أمما ﴾ نعت للأسباط أو بدل منه والأسباط جمع سبط : وهو ولد الولد صاروا اثنتي عشرة أمة من إثني عشر ولدا وأراد بالأسباط القبائل ولهذا أنث العدد كما في قول الشاعر :

( وإن قريشا كلها عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر )
أراد بالبطن القبيلة وقد تقدم تحقيق معنى الأسباط في البقرة وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ ﴿ قطعناهم ﴾ مخففا وسماهم أمما لأن كل سبط كان جماعة كثيرة العدد : وكانوا مختلفي الآراء يؤم بعضهم غير ما يؤمه الآخر ﴿ وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ﴾ أي وقت استسقائهم له لما أصابهم العطش في التيه ﴿ أن اضرب بعصاك الحجر ﴾ تفسير لفعل الإيحاء ﴿ فانبجست ﴾ عطف على مقدر يدل عليه السياق : أي فضرب فانبجست والانبجاس : الانفجار أي فانفجرت ﴿ منه اثنتا عشرة عينا ﴾ بعدد الأسباط لكل سبط عين يشربون منها ﴿ قد علم كل أناس مشربهم ﴾ أي كل سبط منهم العين المختصة به التي يشرب منها وقد تقدم في البقرة ما فيه كفاية مغنية عن الإعادة ﴿ وظللنا عليهم الغمام ﴾ أي جعلناه ظللا عليهم في التيه يسير بسيرهم ويقيم بإقامتهم ﴿ وأنزلنا عليهم المن والسلوى ﴾ أي الترنجبين والسماني كما تقدم تحقيقه في البقرة ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ﴾ أي وقلنا لهم : كلوا من المستلذات التي رزقناكم ﴿ وما ظلمونا ﴾ بما وقع منهم من المخالفة وكفران النعم وعدم تقريرها حق قدرها ﴿ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ أي كان ظلمهم مختصا بهم مقصورا عليهم لا يجاوزهم إلى غيرهم


الصفحة التالية
Icon