١٦٨ - ﴿ وقطعناهم في الأرض ﴾ أي فرقناهم في جوانبها أو شتتنا أمرهم فلم تجتمع لهم كلمة و ﴿ أمما ﴾ منتصب على الحال أو مفعول ثان لقطعنا على تضمينه معنى صيرنا وجملة ﴿ منهم الصالحون ﴾ بدل من أمما قيل : هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم ومن مات قبل البعثة المحمدية غير مبدل وقيل : هم الذين سكنوا وراء الصين كما تقدم بيانه قبل هذا ﴿ ومنهم دون ذلك ﴾ أي دون هذا الوصف الذي اتصفت به الطائفة الأولى وهو الصلاح ومحل ﴿ دون ذلك ﴾ الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير : ومنهم أناس دون ذلك والمراد بهؤلاء هم من لم يؤمن بل انهمك في المخالفة لما أمره الله به قال النحاس ﴿ دون ﴾ منصوب على الظرف ولا نعلم أحدا رفعه ﴿ وبلوناهم بالحسنات والسيئات ﴾ أي امتحناهم بالخير والشر رجاء أن يرجعوا مما هم من الكفر والمعاصي
١٦٩ - ﴿ فخلف من بعدهم خلف ﴾ المراد بهم أولاد الذين قطعهم الله في الأرض قال أبو حاتم : الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع سواء والخلف بفتح اللام البدل ولدا كان أو غيره وقال ابن الأعرابي : الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح قال لبيد :

( ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب )
ومنه قيل للرديء من الكلام خلف بالسكون وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ومنه قول حسان بن ثابت :
( لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع )
﴿ ورثوا الكتاب ﴾ أي التوراة من أسلافهم يقرأونها ولا يعملون بها ﴿ يأخذون عرض هذا الأدنى ﴾ أخبر الله عنهم بأنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدة حرصهم وقوة نهمتهم والأدنى مأخوذ من الدنو وهو القرب : أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى وهو الدنيا يتعجلون مصالحها بالرشاء وما هو مجعول لهم من السحت في مقابلة تحريفهم لكلمات الله وتهوينهم للعمل بأحكام التوراة وكتمهم لما يكتمونه منها وقيل : إن الأدنى مأخوذ من الدناءة والسقوط : أي إنهم يأخذون عرض الشيء الدنيء السابق ﴿ ويقولون سيغفر لنا ﴾ أي يعللون أنفسهم بالمغفرة مع تماديهم في الضلالة وعدم رجوعهم إلى الحق وجملة ﴿ يأخذون ﴾ يحتمل أن تكون مستأنفة لبيان حالهم أو في محل نصب على الحال وجملة ﴿ يقولون ﴾ معطوفة عليها والمراد بهذا الكلام : التقريع والتوبيخ لهم وجملة ﴿ وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ﴾ في محل نصب على الحال : أي يتعللون بالمغفرة والحال أنهم إذا أتاهم عرض مثل العرض الذي كانوا يأخذونه أخذوه غير مبالين بالعقوبة ولا خائفين من التبعة وقيل : الضمير في ﴿ يأتيهم ﴾ ليهود المدينة : أي وإن يأت هؤلاء اليهود الذين هم في عصر محمد صلى الله عليه و سلم عرض مثل العرض الذي كان يأخذه أسلافهم أخذوه كما أخذه أسلافهم ﴿ ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ﴾ أي التوراة ﴿ أن لا يقولوا على الله إلا الحق ﴾ والاستفهام للتقريع والتوبيخ وجملة ﴿ ودرسوا ما فيه ﴾ معطوفة على ﴿ يؤخذ ﴾ على المعنى وقيل على ﴿ ورثوا الكتاب ﴾ والأولى أن تكون في محل نصب على الحال بتقدير قد والمعنى : أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب والحال أن قد درسوا ما في الكتاب وعلموه فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل وذلك أشد ذنبا وأعظم جرما وقيل : معنى ﴿ درسوا ما فيه ﴾ أي محوه بترك العمل به والفهم له من قولهم درست الريح الآثار : إذا محتها ﴿ والدار الآخرة خير ﴾ من ذلك العرض الذي أخذوه وآثروه عليها ﴿ للذين يتقون ﴾ اله ويجتنبون معاصيه ﴿ أفلا تعقلون ﴾ فتعلمون بهذا وتفهمونه وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره


الصفحة التالية
Icon