قوله : ١٨١ - ﴿ وممن خلقنا ﴾ خبر مقدم و ﴿ أمة ﴾ مبتدأ مؤخر و ﴿ يهدون ﴾ وما بعده صفة له ويجوز أن يكون ﴿ وممن خلقنا ﴾ هو المبتدأ كما تقدم في قوله :﴿ ومن الناس من يقول ﴾ والمعنى : أن من جملة من خلقه الله أمة يهدون الناس متلبسين بالحق أو يهدونهم بماعرفون من الحق ﴿ و ﴾ بالحق ﴿ يعدلون ﴾ بينهم قيل : هم من هذه الأمة وإنهم الفرقة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين كما ورد في الحديث الصحيح
ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة بين حال من يخالفهم فقال : ١٨٢ - ﴿ والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ﴾ والاستدراج : هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة والدرج : كف الشيء يقال : أدرجته ودرجته ومنه إدراج الميت في أكفانه وقيل : هو من الدرجة فالاستدراج : أن يخطو درجة بعد درجة إلى المقصود ومنه درج الصبي : إذا قارب بين خطاه وأدرج الكتاب : طواه شيئا بعد شيء ودرج القوم : مات بعضهم في أثر بعض والمعنى : سنستدينهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم وذلك بإدرار النعم عليهم وإنسائهم شكرها فينهمكون في الغواية ويتنكبون طرق الهداية لاغترارهم بذلك وأنه لم يحصل لهم إلا بما لهم عند الله من المنزلة والزلفة
قوله : ١٨٣ - ﴿ وأملي لهم ﴾ معطوف على سنستدرجهم : أي أطيل لهم المدة وأمهلهم وأؤخر عنهم العقوبة وجملة ﴿ إن كيدي متين ﴾ مقررة لما قبلها من الاستدراج والإملاء ومؤكدة له والكيد : المكر والمتين : الشديد القوي وأصله من المتن وهو اللحم الغليظ الذي على جانب الصلب قال في الكشاف : سماه كيدا لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان
والاستفهام في ١٨٤ - ﴿ أولم يتفكروا ﴾ للإنكار عليهم حيث لم يتفكروا في شأن رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيما جاء به و ما في ﴿ ما بصاحبهم ﴾ للاستفهام الإنكاري وهي في محل رفع بالابتداء والخبر بصاحبهم والجنة مصدر : أي وقع منهم التكذيب ولم يتفكروا أي شيء من جنون كائن بصاحبهم كما يزعمون فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلا وقولهم زورا وبهتا وقيل إن ما نافية واسمها ﴿ من جنة ﴾ وخبرها بصاحبهم : أي ليس بصاحبهم شيء مما يدعونه من الجنون فيكون هذا ردا لقولهم :﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ﴾ ويكون الكلام قد تم عند قوله :﴿ أولم يتفكروا ﴾ والوقف عليه من الأوقاف الحسنة وجملة ﴿ إن هو إلا نذير مبين ﴾ مقررة لمضمون ما قبلها ومبينة لحقيقة حال رسول الله صلى الله عليه و سلم


الصفحة التالية
Icon