قوله : ٢٠٠ - ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ﴾ النزغ الوسوسة وكذا النغز والنخس قال الزجاج : النزغ أدنى حركة تكون ومن الشيطان أدنى وسوسة وأصل النزغ : الفساد يقال : نزغ بيننا : أي أفسد وقيل النزغ : الإغواء والمعنى متقارب أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم إذا أدرك شيئا من وسوسة الشيطان أن يستعيذ بالله وقيل :[ إنه لما نزل قوله :﴿ خذ العفو ﴾ قال النبي صلى الله عليه و سلم : كيف يا رب بالغضب فنزلت وجملة ﴿ إنه سميع عليم ﴾ ] علة لأمره بالاستعاذة أي استعذ به والتجئ إليه فإنه يسمع ذلك منك ويعلم به
وجملة ٢٠١ - ﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ﴾ مقررة لمضمون ما قبلها : أي إن شأن الذين يتقون الله وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة به والالتجاء إليه عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيرا قرأ أهل البصرة ﴿ طيف ﴾ وكذا أهل مكة وقرأ أهل المدينة والكوفة ﴿ طائف ﴾ وقرأ سعيد بن جبير ﴿ طيف ﴾ بالتشديد قال النحاس : كلام العرب في مثل هذا طيف بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف قال الكسائي : هو مخفف مثل ميت وميت قال النحاس : ومعناه في اللغة ما يتخيل في القلب أو يرى في النوم وكذا معنى طائف قال أبو حاتم : سألت الأصمعي عن طيف فقال : ليس في المصادر فيعل قال النحاس : ليس هو مصدرا ولكن يكون بمعنى طائف وقيل : الطيف والطائف معنيان مختلفان فالأول التخيل والثاني الشيطان نفسه فالأول من طاف الخيال يطوف طيفا ولم يقولوا من هذا طائف قال السهيلي : لأنه تخيل لا حقيقة له فأما قوله :﴿ فطاف عليها طائف من ربك ﴾ فلا يقال فيه طيف لأنه اسم فاعل حقيقة قال الزجاج : طفت عليهم أطوف فطاف الخيال يطيف قال حسان :

( فدع هذا ولكن من لطيف يؤرقني إذا ذهب العشاء )
وسميت الوسوسة طيفا لأنها لمة من الشيطان تشبه لمة الخيال ﴿ فإذا هم مبصرون ﴾ بسبب التذكر : أي منتبهون وقيل على بصيرة وقرأ سعيد بن جبير ﴿ تذكروا ﴾ بتشديد الذال قال النحاس : ولا وجه له في العربية
قوله : ٢٠٢ - ﴿ وإخوانهم يمدونهم في الغي ﴾ قيل المعنى : وإخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس على أن الضمير في إخوانهم يعود إلى الشيطان المذكور سابقا والمراد به الجنس فجاز إرجاع ضمير الجمع إليه ﴿ يمدونهم في الغي ﴾ أي تمدهم الشياطين في الغي وتكون مددا لهم وسميت الفجار من الإنس إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم ويقتدون بهم وقيل : إن المراد بالإخوان الشياطين وبالضمير الفجار من الإنس فيكون الخبر جاريا على من هو له وقال الزجاج : في الكلام تقديم وتأخير والمعنى : والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ﴿ وإخوانهم يمدونهم في الغي ﴾ لأن الكفار إخوان الشياطين ﴿ ثم لا يقصرون ﴾ الإقصار : الانتهاء عن الشيء : أي لا تقصر الشياطين في مد الكفار في الغي قيل : إن في الغي متصلا بقوله :﴿ يمدونهم ﴾ وقيل : بالإخوان والغي : والجهل قرأ نافع ﴿ يمدونهم ﴾ بضم حرف المضارعة وكسر الميم وقرأ الباقون بفتح حرف المضارعة وضم الميم وهما لغتان : يقال : مد وأمد قال مكي : ومد أكثر وقال أبو عبيد وجماعة من أهل اللغة : فإنه يقال إذا كثر شيء شيئا بنفسه مده وإذا كثره بغيره قيل : أمده نحو ﴿ يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ﴾ وقيل : يقال مددت في الشر وأمددت في الخير وقرأ عاصم الجحدري ﴿ يمدونهم في الغي ﴾ وقرأ عيسى بن عمر ﴿ ثم لا يقصرون ﴾ بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف


الصفحة التالية
Icon