ثم ذكر أن هؤلاء المعتذرين بالباطل سيؤكدون ما جاءوا به من الأعذار الباطلة بالحلف عند رجوع المؤمنين إليهم من الغزو وغرضهم من هذا التأكيد هو أن يعرض المؤمنون عنهم فلا يوبخونهم ولا يؤاخذونهم بالتخلف ويظهرون الرضا عنهم كما يفيده ذكر الرضا من بعد وحذف المحلوف عليه لكون الكلام يدل عليه وهو اعتذارهم الباطل وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد به تركهم والمهاجرة لهم لا الرضا عنهم والصفح عن ذنوبهم كما تفيده جملة ٩٥ - ﴿ إنهم رجس ﴾ الواقعة علة للأمر بالإعراض والمعنى : أنهم في أنفسهم رجس لكون جميع أعمالهم نجسة فكأنها قد صيرت ذواتهم رجسا أو أنهم ذوو رجس : أي ذوو أعمال قبيحة ومثله ﴿ إنما المشركون نجس ﴾ وهؤلاء لما كانوا هكذا كانوا غير متأهلين لقبول الإرشاد إلى الخير والتحذير من الشر فليس لهم إلا الترك وقوله :﴿ ومأواهم جهنم ﴾ من تمام التعليل فإن من كان من أهل النار لا يجدي فيه الدعاء إلى الخير والمأوى كل مكان يأوي إليه الشيء ليلا أو نهارا وقد أوى فلان إلى منزله يأوي أويا وإيواء و ﴿ جزاء ﴾ منصوب على المصدرية أو على العلية والباء في ﴿ بما كانوا يكسبون ﴾ للسببية
وجملة ٩٦ - ﴿ يحلفون لكم ﴾ بدل مما تقدم وحذف هنا المحلوف به لكونه معلوما مما سبق والمحلوف عليه لمثل ما تقدم وبين سبحانه أن مقصدهم بهذا الحلف هو رضا المؤمنين عنهم ثم ذكر ما يفيد أنه لا يجوز الرضا عن هؤلاء المعتذرين بالباطل فقال :﴿ فإن ترضوا عنهم ﴾ كما هو مطلوبهم مساعدة لهم ﴿ فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ﴾ وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا على هؤلاء الفسقة العصاة فينبغي لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم على أن رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتد به ولا مفيد لهم والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم نهي المؤمنين عن ذلك لأن الرضا على من لا يرضى الله عليه مما لا يفعله مؤمن
قوله : ٩٧ - ﴿ الأعراب أشد كفرا ونفاقا ﴾ لما ذكر الله سبحانه أحوال المنافقين بالمدينة ذكر حال من كان خارجا عنها من الأعراب وبين أن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر غيرهم ومن نفاق غيرهم لأنهم أقسى قلبا وأغلظ طبعا وأجفى قولا وأبعد عن سماع كتب الله وما جاءت به رسله والأعراب : هم من سكن البوادي بخلاف العرب فإنه عام لهذا النوع من بني آدم سواء سكنوا البوادي أو القرى هكذا قال أهل اللغة ولهذا قال سيبويه : إن الأعراب صيغة جمع وليست بصيغة جمع العرب قال النيسابوري : قال أهل اللغة : رجل عربي إذا كان نسبه إلى العرب ثابتا وجمعه عرب كالمجوسي والمجوس واليهودي واليهود فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح وإذا قيل للعربي يا أعرابي غضب وذلك أن من استوطن القرى العربية فهو عربي ومن نزل البادية فهو أعرابي ولهذا لا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب وإنما هم عرب قال : قيل إنما سمي العرب عربا لأن أولاد إسماعيل عليه السلام نشأوا بالعرب وهي من تهامة فنسبوا إلى بلدهم وكل من يسكن جزيرة العرب وينطق بلسانهم فهو منهم وقيل : لأن ألسنهم معربة عما في ضمائرهم ولما في لسانهم من الفصاحة والبلاغة انتهى ﴿ وأجدر ﴾ معطوف على أشد ومعناه أخلق يقال : فلان جدير بكذا : أي خليق به وأنت جدير أن تفعل كذا والجمع جدر أو جديرون واصله من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء والمعنى : أنهم أحق وأخلق بـ ﴿ أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله ﴾ من الشرائع والأحكام لبعدهم عن مواطن الأنبياء وديار التنزيل ﴿ والله عليم ﴾ بأحوال مخلوقاته على العموم وهؤلاء منهم ﴿ حكيم ﴾ فيما يجازيهم به من خير وشر