قوله : ٨٤ - ﴿ وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ﴾ قيل : إن هذا من باب التكرير للشرط فشرط في التوكل على الله الإيمان به والإسلام : أي الاستسلام لقضائه وقدره وقيل : إن هذا ليس من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالإيمان هو وجوب التوكل والمشروط بالإسلام وجوده والمعنى : أن يسلموا أنفسهم لله : أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط قال في الكشاف : ونظيره في الكلام إن ضربك زيد فاضربه إن كانت لك به قوة
٨٥ - ﴿ فقالوا ﴾ أي قوم موسى مجيبين له ﴿ على الله توكلنا ﴾ ثم دعوا الله مخلصين فقالوا :﴿ ربنا لا تجعلنا فتنة ﴾ أي موضع فتنة ﴿ للقوم الظالمين ﴾ والمعنى : لا تسلطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا ولا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا فيقولون لهم : لو كان هؤلاء على حق لما سلطنا عليهم وعذبناهم وعلى المعنى الأول تكون الفتنة بمعنى المفتون
ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا : ٨٦ - ﴿ ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ﴾ وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم
قوله : ٨٧ - ﴿ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا ﴾ أن هي المفسرة لأن في الإيحاء معنى أن تبوآ : أي اتخذا لقومكما بمصر بيوتا يقال : بوأت زيدا مكانا وبوأت لزيد مكانا والمبوأ : المنزل الملزوم ومنه بوأه الله منزلا : أي ألزمه إياه وأسكنه فيه ومنه الحديث : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومنه قول الراجز :

( نحن بنو عدنان ليس شك تبوأ المجد بنا والملك )
قيل : ومصر في هذه الآية هي الإسكندرية وقيل : هي مصر المعروفة لا الإسكندرية ﴿ واجعلوا بيوتكم قبلة ﴾ أي متوجهة إلى جهة القبلة قيل : والمراد بالبيوت هنا المساجد وإليه ذهب جماعة من السلف وقيل : المراد بالبيوت التي يسكنون فيها أمروا بأن يجعلوها منا قبلة والمراد بالقبلة على القول الأول هي جهة بيت المقدس وهو قبلة اليهود إلى اليوم وقيل : جهة الكعبة وأنها كانت قبلة موسى ومن معه وقيل : المراد أنهم يجعلون بيوتهم مستقبلة للقبلة ليصلوا فيها سرا لئلا يصيبهم من الكفار معرة بسبب الصلاة ومما يؤيد هذا قوله :﴿ وأقيموا الصلاة ﴾ أي التي أمركم بإقامتها فإنه يفيد أن القبلة هي قبلة الصلاة إما في المساجد أو في البيوت لا جعل البيوت متقابلة وإنما جعل الخطاب في أول الكلام مع موسى وهارون ثم جعله لهما ولقومهما في قوله :﴿ واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة ﴾ ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك فقال :﴿ وبشر المؤمنين ﴾ لأن اختيار المكان مفوض إلى الأنبياء ثم جعل عاما في استقبال القبلة وإقامة الصلاة لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء ثم جعل خاصا بموسى لأنه الأصل في الرسالة وهارون تابع له فكان ذلك تعظيما للبشارة وللمبشر بها وقيل : إن الخطاب في ﴿ وبشر المؤمنين ﴾ لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم على طريقة الالتفات والاعتراض والأول أولى
وقد أرخج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لتلفتنا ﴾ قال : لتلوينا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال : لتصدنا عن آلهتنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ وتكون لكما الكبرياء في الأرض ﴾ قال : العظمة والملك والسلطان وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ فما آمن لموسى إلا ذرية ﴾ قال : الذرية القليل وأخرج هؤلاء عنه في قوله :﴿ ذرية من قومه ﴾ قال : من بني إسرائيل وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال : هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كانت الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ونعيم بن حماد في الفتن وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ﴾ قال : لا تسلطهم علينا فيفتنونا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال في تفسير الآية : لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون : لو كانوا على الحق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم فيفتنون بنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي قلابة في الآية قال : سأل ربه أن لا يظهر علينا عدونا فيحسبون أنهم أولى بالعدل فيفتنون بذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مجلز نحوه وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله :﴿ وأوحينا إلى موسى وأخيه ﴾ الآية قال ذلك حين منعهم فرعون الصلاة فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم وأن يوجهوها نحو القبلة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ أن تبوءا لقومكما بمصر ﴾ قال : مصر الإسكندرية وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال : كانوا لا يصلون إلا في البيع حتى خافوا من آل فرعون فأمروا أن يصلوا في بيوتهم وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : أمروا أن يتخذوا في بيوتهم مساجد وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان قال : القبلة الكعبة وذكر أن آدم فمن بعده كانوا يصلون قبل الكعبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ واجعلوا بيوتكم قبلة ﴾ قال : يقابل بعضها بعضا


الصفحة التالية
Icon