عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم
القرآن الكريم منهج حياة، ونظام حكم، ومصدر استلهام، قامت به، ونهضت وتفوقت بهديه، فمنذ أن تفتحت عينا الملك عبد العزيز على الحياة، كان الدرس الأول الذي وعاه في صباه هو القرآن، تلاوة وتدبرًا وحفظًا، وظل ملازمًا له طوال حياته في عسره ويسره، وفرحه وحزنه، وسفره وإقامته، وحربه وسلمه، يبدأ يومه بالقرآن، ويختمه بالقرآن، لم تُضْعِف صلته به أُبهة ملك، ولا عظم سلطان، بل كان كلما اتسع ملكه، وقوي سلطانه تَرْقَى وتَقْوى صلته بالقرآن، طالما سكب العبرات وهو يتلوه تلاوة الخاشع المتبتل المتدبر، خوفًا من الله، ورجاء في ثوابه.
ربّى أبناءه على حب القرآن والتمسك به، وتعهده بالتلاوة والحفظ، وقد كان يومًا عظيمًا ذلك الذي يختم فيه أحد أبنائه قراءة القرآن، يحتفي به احتفاء عظيمًا.
ففي صباح يوم السبت ١٤ من رجب عام ١٣٥٣هـ‍ احتفل في الرياض بختم قراءة القرآن لصاحب السمو الملكي الأمير مشعل، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان (١).
وفي يوم الثلاثاء ١٤ من رجب عام ١٣٥٨هـ أقيم احتفال في مدرسة الأمراء بختم صاحب السمو الملكي الأمير متعب لقراءة القرآن، وقد قرأ في الحفل آخر جزء بقي عليه، وألقى خطبة بهذه المناسبة، كما خطب أيضًا في الحفل أصحاب السمو الملكي الأمراء: عبد المحسن، ومشعل، وسلطان (٢).
وفي يوم الاثنين ١٩ من رمضان عام ١٣٥٩هـ، احتفلت مدرسة الأمراء بختم الأمير محمد بن أحمد بن الإمام عبد الرحمن تلاوة القرآن الكريم (٣).
وفي صباح يوم الاثنين ١٤ من رجب عام ١٣٦١هـ، احتفلت مدرسة الأمراء بختم صاحب السمو الملكي الأمير بدر لقراءة القرآن الكريم، ورعى الحفل ولي العهد -في ذلك الوقت- صاحب السمو الملكي الأمير سعود، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير ناصر -أمير الرياض في ذلك الوقت- وكان حفلا مهيبًا عبرت فيه الأسرة الكريمة عن غبطتها وسرورها، وألقى عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء خطبًا بليغة بهذه المناسبة منهم الأمراء: مساعد، وعبد المحسن، ومشعل، وسلطان من طلاب السنة الثقافية، والأمراء: عبد الرحمن، ومتعب، وطلال، ومشاري من طلاب السنة الثانية الابتدائية، والأمير تركي من طلاب السنة الأولى الابتدائية، والأمير نواف، ونايف من طلاب السنة الثانية التحضيرية، والأمير فهد بن محمد بن عبد العزيز من طلاب السنة الثانية الابتدائية (٤) (٥).
وفي صباح الأحد ١٢ من شعبان عام ١٣٦٤هـ احتفلت مدرسة الأمراء بختم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان قراءة القرآن الكريم، وحضر الحفل ولي العهد، الأمير سعود، وتلا الأمير سلمان في هذا الحفل آخر حزب بقي عليه من القرآن، ثم تلا صاحب السمو الملكي الأمير تركي شيئًا من دعاء ختم القرآن، ثم تقدم للخطابة أصحاب السمو الملكي الأمراء: عبد الرحمن، ومتعب، وطلال، ومشاري، وبدر، وتركي، ونايف، معبرين عن سعادتهم بختم أخيهم لتلاوة القرآن الكريم (٦).
وفي صباح الخميس ١٧ من شوال عام ١٣٦٥هـ أقامت مدرسة الأبناء حفلا بمناسبة ختم صاحب السمو الملكي الأمير فواز لتلاوة القرآن الكريم، وحضر الحفل ولي العهد الأمير سعود، وخطب فيه أصحاب السمو الملكي الأمراء: بدر، وتركي، ونواف، ونايف، وسلمان، وسعود بن ناصر بن عبد العزير (٧).
أصبح الاحتفال بختم القرآن الكريم، تلاوة وحفظًا عادة حسنة سار عليها الناس في هذه البلاد الطيبة، سواء على المستوى الرسمي من خلال الجمعيات والمؤسسات القائمة على تعليم القرآن الكريم، أو على المستوى الفردي، وكثيرًا ما يحضر هذه الاحتفالات الأمراء، والوزراء، وكبار الوجهاء، وكبار الموظفين، وعامة الناس.
لقد تجلت عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم في مظاهر عديدة أخرى:
١. ففي مجال التعليم للبنين والبنات قامت الأسس التي بني عليها على الإيمان بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولا والتصور الإسلامي الكامل للكون والحياة، وأن الوجود كله خاضع لما سنَّه الله تعالى؛ ليقوم كل مخلوق بوظيفته دون خلل، أو اضطراب، وتوجيه العلوم والمعارف بمختلف أنواعها وموادها- منهجًا وتأليفًا وتدريسًا وجهة إسلامية في معالجة قضاياها، والحكم على نظرياتها وطرق استثمارها حتى تكون منبثقة من الإسلام، متناسقة مع التفكير الإسلامي السديد (٨).
فبالإضافة إلى الاهتمام بالقرآن الكريم (تلاوة وحفظًا وتفسيرًا) في مراحل التعليم المختلفة، أقيمت مدارس خاصة بتحفيظ القرآن الكريم ابتدائية ومتوسطة وثانوية، بل وكليات وأقسام متخصصة في بعض الجامعات، بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
٢. وفي المجال الإعلامي هناك ندوات ودروس ومحاضرات تبث عبر الإذاعة والتلفاز عن القرآن وتلاوته وتفسيره والعلوم المتعلقة به، إضافة إلى إنشاء إذاعة خاصة بالقرآن الكريم في مكة المكرمة عام ١٣٩٢هـ‍/١٩٧٢م وفي العام نفسه أنشئت إذاعة أخرى بالرياض، ودمجتا في إذاعة واحدة في غرة المحرم عام ١٤١٣هـ الموافق ١٨/١٠/١٩٩٣م، سميت إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية بالرياض، وفُتحت فروع لها في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة (٩).
وتقوم هذه الإذاعة بإذاعة آيات مجوَّدة ومرتلة، وتقديم أحاديث وبرامج مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة (١٠).
ويستمر بثها يوميًا على مدار الساعة، من ذلك ٧٥% لتلاوات قرآنية، والباقي لعلوم القرآن والسنة النبوية، ويشمل بثها العالم العربي، وشرق آسيا وجنوبها ووسطها وشمال ووسط إفريقيا (١١).
٣. ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم إنشاء ستة عشر جمعية خيرية لتحفيظ القرآن الكريم، منتشرة في أنحاء المملكة، تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تتلخص أهدافها في:
١. تعليم القرآن الكريم لأبناء المسلمين تلاوة وتجويدًا وتفسيرًا.
٢. تحفيظ القرآن الكريم للناشئة.
٣. إعداد المدرسين الأكفاء لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه.
٤. تهيئة قراء وحفظة لإمامة المصلين في الصلاة.
٥. تهذيب أخلاق الناشئة بما يتعلمونه من كتاب ربهم.
٦. إحياء جانب مهم من جوانب رسالة المسجد.
وفي إحصائية للفصل الدراسي الأول لعام ١٤١٩هـ‍ / ١٤٢٠‍ بلغ مجموع الطلبة والطالبات في هذه الجمعيات (٢٧٢. ٢١٩) طالب وطالبة، ومجموع الحِلق والفصول (١٠. ٧٨٧) حلقة وفصلا ومجموع المعلمين والمعلمات (٩. ٢٩٠) معلما ومعلمة (١٢).
٤. ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم تنظيم المسابقات في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتفسيره، ليس على مستوى المملكة بل وعلى مستوى العالم، وتمَّ تكوين أمانة عامة للإشراف على المسابقتين عام ١٣٩٩هـ، وهي تتبع حاليًا وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
وتجرى المسابقة المحلية في الرياض في كل عام في خمسة فروع هي: الفرع الأول، حفظ القرآن الكريم كاملا مع التجويد والترتيل، وتفسير جزء من القرآن يحدد كل عام، والفرع الثاني حفظ القرآن الكريم كاملا مع التلاوة والتجويد، والفرع الثالث حفظ عشرين جزءًا مع التلاوة والتجويد، والفرع الرابع حفظ عشرة أجزاء مع التلاوة والتجويد، والفرع الخامس حفظ خمسة أجزاء مع حسن الصوت والتلاوة. وقد بلغ عدد المشاركين في المسابقات المحلية حتى عام ١٤١٨‍ هـ (١٤١٢) متسابقًا (١٣).
أما المسابقة الدولية فيعود إنشاؤها إلى صدور الأمر الكريم ذي الرقم (٢٥٢٨١) المؤرخ في ١٢/١١/١٣٩٨هـ، على أن تقام كل عام في مكة المكرمة في خمسة فروع كالمسابقة المحلية، وتشرف عليها لجنة تحكيم دولية. وبلغ عدد المشاركين في هذه المسابقة حتى عام ١٤١٩هـ (٣١٣٥) متسابقًا من مختلف أنحاء العالم (١٤).
وفي شوال من عام ١٤١٨هـ‍ أعلن عن جائزة كبرى لحفظ القرآن الكريم هي جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز تقام في الرياض في كل عام، وتشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وبلغ مجموع جوائزها حوالي مليون وخمسمائة ألف ريال سعودي يدفعها سموه الكريم من حسابه الخاص؛ رعاية للقرآن وتشجيعًا على حفظه وحسن تلاوته وهي موزعة على النحو التالي:
الفرع الفائز الأول الفائز الثاني الفائز الثالث
الأول ٧٠. ٠٠٠ ٦٨. ٠٠٠ ٦٦. ٠٠٠
الثاني ٥٠. ٠٠٠ ٤٨. ٠٠٠ ٤٦. ٠٠٠
الثالث ٤٠. ٠٠٠ ٣٨. ٠٠٠ ٣٦. ٠٠٠
الرابع ٣٠. ٠٠٠ ٢٨. ٠٠٠ ٢٦. ٠٠٠
الخامس ٢٠. ٠٠٠ ١٨. ٠٠٠ ١٦. ٠٠٠
ومثل ذلك للفائزات من الطالبات، إضافة إلى نفقات نثرية تصل إلى ألفي ريال لكل متسابق أو متسابقة.
٥. ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم طباعته بطريقة برايل، إذ تتراوح نسبة عدد المكفوفين في العالم ما بين ١-٣%، منهم خمسة وعشرون مليونًا تقريبًا من المسلمين، وفي المملكة العربية السعودية حسب المسح الذي قامت به وزارة المعارف عام ١٤٠١هـ‍ عشرون ألف كفيف.
وأصبحت هذه الفئة من العالم الإسلامي هدفًا للمنصرين، وأصحاب الأهواء المنحرفة، فوجَّهت لهم برامجها، ودرَّبتهم على مهارات ومهن متنوعة، وحرصت على تخريجهم معاول هدم ضد الإسلام والمسلمين مستغلة ما يتمتع به بعضهم من ذكاء وفطنة.
والاهتمام والعناية بهذه الفئة في البلاد والمنظمات والهيئات غير الإسلامية يقابله فتور وغياب في البلاد والهيئات الإسلامية.
ففي بريطانيا (مثلا) تصدر أكثر من أربعمائة صحيفة ما بين لمسية وسمعية موجهة للمكفوفين، وفي أمريكا ستة آلاف صحيفة لمسية، وفي بعض الدول الشيوعية السابقة تصدر أكثر من تسعين ألف صحيفة لمسية، بينما لا يوجد في العالم العربي والإسلامي سوى خمس مجلات لمسية، ربما توقف بعضها لأسباب فنية ومالية.
بذلت جهود في كل من: مصر، والأردن، وتونس لطبع القرآن الكريم بطريقة برايل، إلا أنها لا تُوَفِّي حاجة المكفوفين، وبخاصة أن بعض هذه الدول توقف عملها في ذلك؛ لأسباب خارجة عن إرادتها (١٥).
وفي المملكة العربية السعودية تتولى وزارة المعارف، ممثلة في الأمانة العامة للتربية الخاصة العناية بهذا المشروع، بدعم سخي من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وهي تبذل جهودًا طيبة حاليًا لتلبية حاجة المكفوفين من المصاحف المطبوعة بطريقة برايل وغيرها من المطبوعات النافعة والمفيدة.
٦. ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم ترجمة معانيه إلى اللغات المختلفة، فقد تبرع الملك فيصل رحمه الله بطبع ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا التي يتحدث بها أكثر من سبعة عشر مليونًا في إفريقيا، وقد طبع خمسة وعشرون ألف نسخة من هذه الترجمة على نفقته الخاصة (١٦).
وجاء في مجلة "المنهل" (١٧) أن إحدى الصحف العربية نشرت ما يلي: ((تم توزيع معاني القرآن الكريم التي طبعت على نفقة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز المفدى، خادم الحرمين الشريفين بمختلف اللغات، وذلك على جميع المراكز والمؤسسات والمكاتب التابعة لرابطة العالم الإسلامي، وكذلك تم توزيعها على مراكز الدعاة التابعين للرابطة)).

(١) جريدة أم القرى: ع ٥١٤، الجمعة ١٠/٧/١٣٥٣هـ = ٩ أكتوبر ١٩٣٤م.
(٢) المرجع نفسه، ع ٧٦٨، الجمعة ١٧ رجب ١٣٥٨هـ (١ سبتمبر ١٩٣٩م).
(٣) المرجع نفسه، عدد يوم الجمعة ٨ شوال ١٣٥٩هـ (٨ نوفمبر ١٩٤٩م).
(٤) المرجع نفسه، ع ٩١٩، الجمعة ٢٥/٧/١٣٦١هـ = ٧ أغسطس ١٩٤٢م.
(٥) نص هذه الخطب منشور في المرجع نفسه، ع ٩٢٢، الجمعة ١٦ شعبان ١٣٦١هـ = ٢٧ أغسطس ١٩٤٢م.
(٦) المرجع نفسه، ع ١٠٦٦، الجمعة ٢٤/٨/١٣٦٤هـ (٣ أغسطس ١٩٤٥م).
(٧) المرجع نفسه، ع ١١٢٥، الجمعة ٢٥/١٠/١٣٦٥هـ


الصفحة التالية
Icon