ثم أكد هذا الأمر وثبت قلب رسوله بقوله : ٩٥ - ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾ مع كونهم كانوا من أكابر الكفار وأهل الشوكة فيهم فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى وهؤلاء المستهزئون كانوا خمسة من رؤساء أهل مكة : الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب بن الحرث بن زمعة والأسود بن عبد يغوث والحرث بن الطلاطلة كذا قال القرطبي ووافقه غيره من المفسرين وقد أهلكهم الله جميعا وكفاهم أمرهم في يوم واحد
ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال : ٩٦ - ﴿ الذين يجعلون مع الله إلها آخر ﴾ فلم يكن ذنبهم مجرد الاستهزاء بل لهم ذنب آخر وهو الشرك بالله سبحانه ثم توعدهم فقال :﴿ فسوف يعلمون ﴾ كيف عاقبتهم في الآخرة وما يصيبهم من عقوبة الله سبحانه
ثم ذكر تسلية أخرى لرسول الله صلى الله عليه و سلم بعد التسلية الأولى بكفايته شرهم ودفعه لمكرهم فقال : ٩٧ - ﴿ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ﴾ من الأقوال الكفرية المتضمنة للطعن على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسحر والجنون والكهانة والكذب وقد كان يحصل ذلك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بمقتضى الجبلة البشرية والمزاج الإنساني
ثم أمره سبحانه بأن يفزع لكشف ما نابه من ضيق الصدر إلى تسبيح الله سبحانه وحمده فقال : ٩٨ - ﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ أي متلبسا بحمده : أي افعل التسبيح المتلبس بالحمد ﴿ وكن من الساجدين ﴾ أي المصلين فإنك إذا فعلت ذلك كشف الله همك وأذهب غمك وشرح صدرك
ثم أمره بعبادة ربه : أي بالدوام عليها إلى غاية هي قوله :﴿ حتى يأتيك اليقين ﴾ أي الموت قال الواحدي قال جماعة المفسرين : يعني الموت لأنه موقن به قال الزجاج المعنى أعبد ربك أبدا لأنه لو قيل اعبد ربك بغير توقيت لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا فإذا قال حتى يأتيك اليقين فقد أمره بالإقامة على العبادة أبدا ما دام حيا
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر في قوله :﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني ﴾ قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وابن مردويه والبيهقي من طرق عن علي بمثله وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود مثله وزاد : والقرآن العظيم سائر القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال : فاتحة الكتاب استثناها الله لأمة محمد فرفعها في أم الكتاب فادخرها لهم حتى أخرجها ولم يعط أحد قبل قيل فأين الآية السابعة ؟ قال : بسم الله الرحمن الرحيم وروي عنه نحو هذا من طرق وأخرج ابن الضريس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال : السبع المثاني الحمد لله رب العالمين وروي نحو قول هؤلاء الصحابة عن جماعة من التابعين وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى أنه قال له النبي صلى الله عليه و سلم [ ألا أعلمك أفضل سورة قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي صلى الله عليه و سلم ليخرج فذكرت فقال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم ] وأخرج البخاري أيضا من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ] فوجب بهذا المصير إلى القوم بأنها فاتحة الكتاب ولكن تسميتها بذلك لا ينافي تسمية غيرها به كما قدمنا وأخرج ابن مردويه عن عمر قال في الآية : هي السبع الطوال وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله وأخرج الفريابي وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال في الآية : هي السبع الطوال وأخرج الدارمي وابن مردويه عن أبي بن كعب مثله وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : هي فاتحة الكتاب والسبع الطوال وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : ماثني من القرآن ألم تسمع لقول الله ﴿ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ﴾ وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : المثاني القرآن يذكر الله القصة الواحدة مرارا وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن زياد بن أبي مريم في الآية قال : أعطيتك سبعة أجزاء : مر وآنه وشر وأنذر واضرب الأمثال واعدد النعم واتل نبأ القرآن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ لا تمدن عينيك ﴾ قال : نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ أزواجا منهم ﴾ قال : الأغنياء الأمثال والأشباه وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال : من أعطي القرآن فمد عينه إلى شيء مما صغر القرآن فقد خالف القرآن ألم يستمع إلى قوله :﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني ﴾ وإلى قوله :﴿ ورزق ربك خير وأبقى ﴾ وقد فسر ابن عيينة أيضا الحديث الصحيح [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] فقال : إن المعنى يستغني به وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ واخفض جناحك ﴾ قال : اخضع وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ كما أنزلنا على المقتسمين ﴾ الآية قال : هم أهل الكتاب جزأوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وأخرج ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال : عضين فرقا وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس أنها نزلت في نفر من قريش كانوا يصدون الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم الوليد بن المغيرة وأخرج الترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون ﴾ قال : عن قول لا إله إلا الله وأخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أنس موقوفا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ فامضه وفي علي بن أبي طلحة مقال معروف وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : ما زال النبي صلى الله عليه و سلم مستخفيا حتى نزل ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ فخرج هو وأصحابه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه وأخرج ابن المنذر عنه ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ قال : أعلن بما تؤمر وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وأعرض عن المشركين ﴾ قال : نسخه قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه وأبو نعيم والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله :﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾ قال : المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل وذكر قصة هلاكهم وقد روي هذا عن جماعة من الصحابة مع زيادة في عددهم ونقص على طول في ذلك وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم في التاريخ وابن مردويه والديلمي عن أبي مسلم الخولاني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ] وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي الدرداء مرفوعا نحوه وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق من طريق عبيد الله بن أبان بن عثمان بن حذيفة ابن أوس الطائفي قال : حدثني أبان بن عثمان عن أبيه عن جده يرفعه مثل حديث أبي مسلم الخولاني وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر ﴿ حتى يأتيك اليقين ﴾ قال الموت وأخرج ابن المبارك عن الحسن مثله وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله