ثم بين سبحانه أنه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء أو على الإيمان فقال : ٩٣ - ﴿ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ﴾ متفقة على الحق ﴿ ولكن ﴾ بحكم الإلهية ﴿ يضل من يشاء ﴾ بخذلانه إياهم عدلا منه فيهم ﴿ ويهدي من يشاء ﴾ بتوفيقه إياهم فضلا منه عليهم ﴿ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ﴾ ولهذا قال :﴿ ولتسألن عما كنتم تعملون ﴾ من الأعمال في الدنيا واللام في ﴿ وليبينن لكم ﴾ وفي ﴿ ولتسألن ﴾ هما الموطئتان للقسم
ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الأيمان نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة فقال : ٩٤ - ﴿ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ﴾ وهي أيمان البيعة قال الواحدي : قال المفسرون : وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله :﴿ فتزل قدم بعد ثبوتها ﴾ من المبالغة وبما في قوله :﴿ وتذوقوا السوء بما صددتم ﴾ لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم هي سبب نزول هذه الآية فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقال جماعة من المفسرين : إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير ومعنى ﴿ فتزل قدم بعد ثبوتها ﴾ فتزل قدم من اتخذ يمينه دخلا عن محجة الحق بعد ثبوتها عليها ورسوخها فيها قيل وأفرد القدم للإيذان بأن زلل قدم واحد أي قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم فكيف بأقدام كثيرة ؟ وهذا استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر ويقال لمن أخطأ في شيء زلت به قدمه ومنه قول الشاعر :
( تداركتما عبسا وقد ثل عرشها | وذبيان قد زلت بأقدامها النعل ) |
ثم نهاهم سبحانه عن الميل إلى عرض الدنيا والرجوع عن العهد لأجله فقال : ٩٥ - ﴿ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ﴾ أي لا تأخذوا في مقابلة عهدكم عوضا يسيرا حقيرا وكل عرض دنيوي وإن كان في الصورة كثيرا فهو لكونه ذاهبا زائلا يسير ولهذا ذكر سبحانه بعد تقليل عرض الدنيا خيرية ما عند الله فقال :﴿ إنما عند الله هو خير لكم ﴾ أي ما عنده من النصر في الدنيا والغنائم والرزق الواسع وما عنده في الآخرة من نعيم الجنة الذي لا يزول ولا ينقطع هو خير لهم ثم علل النهي عن أن يشتروا بعهد الله ثمنا قليلا وأن ما عند الله هو خير لهم بقوله :﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ أي إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الأشياء