١١٣ - ﴿ ولقد جاءهم ﴾ يعني أهل مكة ﴿ رسول منهم ﴾ من جنسهم يعرفونه ويعرفون نسبه فأمرهم بما فيه نفعهم ونهاهم عما فيه ضرهم ﴿ فكذبوه ﴾ فيما جاء به ﴿ فأخذهم العذاب ﴾ النازل بهم من الله سبحانه والحال أنهم في حال أخذ العذاب لهم ﴿ ظالمون ﴾ لأنفسهم بإيقاعها في العذاب الأبدي ولغيرهم بالإضرار بهم وصدهم عن سبيل الله وهذا الكلام من تمام المثل المضروب وقيل إن المراد بالعذاب هنا هو الجوع الذي أصابهم وقيل القتل يوم بدر
ثم لما وعظهم الله سبحانه بما ذكره من حال أهل القرية المذكورة أمرهم أن يأكلوا مما رزقهم الله من الغنائم ونحوها وجاء بالفاء للاشعار بأن ذلك متسبب عن ترك الكفر والمعنى : أنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا الحلال الطيب وهو الغنيمة واتركوا الخبائث وهو الميتة والدم ﴿ واشكروا نعمة الله ﴾ التي أنعم بها عليكم واعرفوا حقها ﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ ولا تعبدون غيره أو إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادة الآلهة التي زعمتم عبادة الله تعالى وقيل إن الفاء في فكلوا داخلة على الأمر بالشكر وإنما أدخلت على الأمر بالأكل لأن الأكل ذريعة إلى الشكر
١١٥ - ﴿ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ﴾ كرر سبحانه ذكر هذه المحرمات في البقرة والمائدة والأنعام وفي هذه السورة قطعا للأعذار وإزالة للشبهة ثم ذكر الرخصة في تناول شيء مما ذكر فقال :﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ﴾ وقد تقدم الكلام على جميع ما هو مذكور هنا مستوفى
ثم زيف طريقة الكفار في الزيادة على هذه المحرمات كالبحيرة والسائبة وفي النقصان عنها كتحليل الميتة والدم فقال : ١١٦ - ﴿ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ﴾ قال الكسائي والزجاج : ما هنا مصدرية وانتصاب الكذب بلا تقولوا : أي لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم ومعناه : لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة ويجوز أن تكون ما موصولة والكذب منتصب بتصف : أي لا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه ﴿ هذا حلال وهذا حرام ﴾ فحذف لفظة فيه لكونه معلوما فيكون قوله هذا حلال وهذا حرام بدلا من الكذب ويجوز أن يكون في الكلام حذف بتقدير القول : أي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام أو قائلة هذا حلال وهذا حرام ويجوز أن ينتصب الكذب أيضا بتصف وتكون ما مصدرية : أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب وقرئ الكذب بضم الكاف والذال والباء على أنه نعت للألسنة وقرأ الحسن بفتح الكاف وكسر الذال والباء نعتا لما وقيل على البدل من ما : أي ولا تقولوا الكذب الذي تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام واللام في ﴿ لتفتروا على الله الكذب ﴾ هي لام العاقبة لا لام العرض : أي فيتعقب ذلك افتراؤكم على الله الكذب بالتحليل والتحريم وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه ﴿ إن الذين يفترون على الله الكذب ﴾ أي افتراء كان ﴿ لا يفلحون ﴾ بنوع من أنواع الفلاح وهو الفوز بالمطلوب