٤٨ - ﴿ وعرضوا على ربك صفا ﴾ انتصاب صفا على الحال : أي مصفوفين كل أمة وزمرة صف وقيل عرضوا صفا واحدا كما في قوله :﴿ ثم ائتوا صفا ﴾ أي جميعا وقيل قياما وفي الآية تشبيه حالهم بحال الجيش الذي يعرض على السلطان ﴿ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ﴾ هو على إضمار القول : أي قلنا لهم لقد جئتمونا والكاف في ﴿ كما خلقناكم ﴾ نعت مصدر محذوف : أي مجيئا كائنا كمجيئكم عند أن خلقناكم أول مرة أو كائنين كما خلقناكم أول مرة : أي حفاة عراة غرلا كما ورد ذلك في الحديث قال الزجاج : أي بعثناكم وأعدناكم كما خلقناكم لأن قوله لقد جئتمونا معناه بعثناكم ﴿ بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ﴾ هذا إضراب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ وهو خطاب لمنكري البعث : أي زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب
وجملة ٤٩ - ﴿ ووضع الكتاب ﴾ معطوفة على عرضوا والمراد بالكتاب صحائف الأعمال وأفرده لكون التعريف فيه للجنس والوضع إما حسي بأن يوضع صحيفة كل واحد في يده : السعيد في يمينه والشقي في شماله أو في الميزان وإما عقلي : أي أظهر عمل كل واحد من خير وشر بالحساب الكائن في ذلك اليوم ﴿ فترى المجرمين مشفقين مما فيه ﴾ أي خائفين وجلين مما في الكتاب الموضوع لما يتعقب ذلك من الافتضاح في ذلك الجمع والمجازاة بالعذاب الأليم ﴿ ويقولون يا ويلتنا ﴾ يدعون على أنفسهم بالويل لوقوعهم في الهلاك ومعنى هذا النداء قد تقدم تحقيقه في المائدة ﴿ مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴾ أي أي شيء له لا يترك معصية صغيرة ولا معصية كبيرة إلا حواها وضبطها وأثبتها ﴿ ووجدوا ما عملوا ﴾ في الدنيا من المعاصي الموجبة للعقوبة أو وجدوا جزاء ما عملوا ﴿ حاضرا ﴾ مكتوبا مثبتا ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾ أي لا يعاقب أحدا من عباده بغير ذنب ولا ينقص فاعل الطاعة من أجره الذي يستحقه


الصفحة التالية
Icon