الظرف في قوله : ٦٠ - ﴿ وإذ قال ﴾ متعلق بفعل محذوف هو اذكر قيل ووجه ذكر هذه القصة في هذه السورة أن اليهود لما سألوا النبي صلى الله عليه و سلم عن قصة أصحاب الكهف وقالوا : إن أخبركم فهو نبي وإلا فلا ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيها على أن النبي لا يلزمه أن يكون عالما بجميع القصص والأخبار وقد اتفق أهل العلم على أن موسى المذكور هو موسى بن عمران النبي المرسل إلى فرعون وقالت فرقة لا التفات إلى ما تقوله منهم نوف البكالي : إنه ليس ابن عمران وإنما هو موسى بن ميشي بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران وهذا باطل قد رده السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم كما في صحيح البخاري وغيره والمراد بفتاه هنا هو يوشع بن نون قال الواحدي : أجمعوا على أنه يوشع بن نون وقد مضى ذكره في المائدة وفي آخر سورة يوسف ومن قال : إن موسى هو ابن ميشى قال : إن هذا الفتى لم يكن هو يوشع بن نون قال الفراء : وإنما سمي فتى موسى لأنه كان ملازما له يأخذ عنهم العلم ويخدمه ومعنى ﴿ لا أبرح ﴾ لا أزال ومنه قوله :﴿ لن نبرح عليه عاكفين ﴾ ومنه قول الشاعر :

( وأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقا مجيدا )
وبرح إذا كان بمعنى زال فهو من الأفعال الناقصة وخبره هنا محذوف اعتمادا على دلالة ما بعده وهو ﴿ حتى أبلغ مجمع البحرين ﴾ قال الزجاج : لا أبرح بمعنى لا أزال وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه ولأن قوله ﴿ حتى أبلغ ﴾ غاية مضروبة فلا بد لها من ذي غاية فالمعنى : لا أزال أسير إلى أن أبلغ ويجوز أن يراد لا يبرح مسيري حتى أبلغ وقيل معنى لا أبرح : لا أفارقك حتى أبلغ مجمع البحرين وقيل يجوز أن يكون من برح التام بمعنى زال يزال ومجمع البحرين ملتقاهما قيل المراد بالبحرين بحر فارس والروم وقيل بحر الأردن وبحر القلزم وقيل مجمع البحرين عند طنجة وقيل بإفريقية وقالت طائفة : المراد بالبحرين موسى والخضر وهو من الضعف بمكان وقد حكي عن ابن عباس ولا يصح ﴿ أو أمضي حقبا ﴾ أي أسير زمانا طويلا قال الجوهري : الحقب بالضم ثمانون سنة وقال النحاس : الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود كما أن رهطا وقوما منهم غير محدود وجمعه أحقاب وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روي أنه سئل موسى من أعلم الناس ؟ فقال أنا فأوحى الله إليه : إن أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين
٦١ - ﴿ فلما بلغا ﴾ أي موسى وفتاه ﴿ مجمع بينهما ﴾ أي بين البحرين وأضيف مجمع إلى الظرف توسعا وقيل البين : بمعنى الافتراق : أي البحران المفترقان يجتمعان هناك وقيل الضمير لموسى والخضر : أي وصلا الموضع الذي فيه اجتماع شملهما ويكون البين على هذا بمعنى الوصل لأنه من الأضداد والأول أولى ﴿ نسيا حوتهما ﴾ قال المفسرون : إنهما تزودا حوتا مملحا في زنبيل وكانا يصيبان منه عند حاجتهما إلى الطعام وكان قد جعل الله فقدانه أمارة لهما على وجدان المطلوب والمعنى أنهما نسيا بفقد أمره وقيل الذي نسي إنما هو فتى موسى لأنه وكل أمر الحوت إليه وأمره أن يخبره إذا فقده فلما انتهيا إلى ساحل البحر وضع فتاه المكتل الذي فيه الحوت فأحياه الله فتحرك واضطرب في المكتل ثم انسرب في البحر ولهذا قال :﴿ فاتخذ سبيله في البحر سربا ﴾ انتصاب سربا على أنه المفعول الثاني لاتخذ أي اتخذ سبيلا سربا والسرب النفق الذي يكون في الأرض للضب ونحوه من الحيوانات وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية الماء على الموضع الذي انسرب فيه الحوت فصار كالطاق فشبه مسلك الحوت في البحر مع بقائه وانجياب الماء عنه بالسرب الذي هو الكوة المحفورة في الأرض قال الفراء : لما وقع في الماء جمد مذهبه في البحر فكان كالسرب فلما جاوزا ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة وذهب الحوت فيه انطلقا فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال ولم يجدا النصب حتى جاوزا الموضع الذي فيه الخضر


الصفحة التالية
Icon