٦٣ - ﴿ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ﴾ أي قال فتى موسى لموسى ومعنى الاستفهام تعجيبه لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك الأمر مما لا ينسى لأنه قد شاهد أمرا عظيما من قدرة الله الباهرة ومفعول ﴿ أرأيت ﴾ محذوف لدلالة ما ذكره من النسيان عليه والتقدير : أرأيت ما دهاني أو نابني في ذلك الوقت والمكان وتلك الصخرة كانت عند مجمع البحرين الذي هو الموعد وإنما ذكرها دون أن يذكر مجمع البحرين لكونها متضمنة لزيادة تعيين المكان لاحتمال أن يكون المجمع مكانا متسعا يتناول مكان الصخرة وغيره وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي تقدم ذكره لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذي جعلاه زادا لهما وأمارة لوجدان مطلوبهما ثم ذكر ما يجري مجرى السبب في وقوع ذلك النسيان فقال :﴿ وما أنسانيه إلا الشيطان ﴾ بما يقع منه من الوسوسة و ﴿ أن أذكره ﴾ بدل اشتمال من الضمير في ﴿ أنسانيه ﴾ وفي مصحف عبد الله : وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان ﴿ واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾ انتصاب عجبا على أنه المفعول الثاني كما مر في سربا والظرف في محل نصب على الحال يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع أخبر موسى أن الحوت اتخذ سبيله عجبا للناس وموضع التعجب أن يحيا حوت قد مات وأكل شقه ثم يثب إلى البحر ويبقى أثر جريته في الماء لا يمحو أثرها جريان ماء البحر ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه لبيان طرف آخر من أمر الحوت فيكون ما بين الكلامين اعتراضا
٦٤ - ﴿ قال ذلك ما كنا نبغ ﴾ أي قال موسى لفتاه ذلك الذي ذكرت من فقد الحوت في ذلك الموضع هو الذي كنا نطلبه فإن الرجل الذي نريده هو هنالك ﴿ فارتدا على آثارهما قصصا ﴾ أي رجعا على الطريق التي جاءا منها يقصان أثرهما لئلا يخطئا طريقهما وانتصاب قصصا على أنه مصدر لفعل محذوف أو على الحال : أي قاصين أو مقتصين والقصص في اللغة اتباع الأثر
٦٥ - ﴿ فوجدا عبدا من عبادنا ﴾ هو الخضر في قول جمهور المفسرين وعلى ذلك دلت الأحاديث الصحيحة وخالف في ذلك من لا يعتد بقوله فقال ليس هو الخضر بل عالم آخر قيل سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله قيل واسمه بليا بن ملكان ثم وصفه الله سبحانه فقال :﴿ آتيناه رحمة من عندنا ﴾ قيل الرحمة هي النبوة وقيل النعمة التي أنعم الله بها عليه ﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ وهو ما علمه الله سبحانه من علم الغيب الذي استأثر به وفي قوله من لدنا تفخيم لشأن ذلك العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأن يتواضع لمن هو أعلم منه
ثم قص الله سبحانه علينا ما دار بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال : ٦٦ - ﴿ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ﴾ في هذا السؤال ملاطفة ومبالغة في حسن الأدب لأنه استأذنه أن يكون تابعا له على أن يعلمه مما علمه الله من العلم والرشد الوقوف على الخير وإصابة الصواب وانتصابه على أنه مفعول ثان لتعلمني : أي علما ذا رشد أرشد به وقرئ رشدا بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخل وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوت المراتب وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها وكان علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن


الصفحة التالية
Icon