ثم شرع سبحاغنه في بيان ما أمر به رسوله أن يقوله لهم من أنه سيتلو عليهم منه ذكرا فقال : ٨٤ - ﴿ إنا مكنا له في الأرض ﴾ أي أقدرناه بما مهدنا له من الأسباب فجعلنا له مكنة وقدرة على التصرف فيها وسهل عليه المسير في مواضعها وذلل له طرقها حتى تمكن منها أين شاء وكيف شاء ؟ ومن جملة تمكينه فيها أنه جعل له الليل والنهار سواء في الإضاءة ﴿ وآتيناه من كل شيء ﴾ مما يتعلق بمطلوبه ﴿ سببا ﴾ أي طريقا يتوصل بها إلى ما يريده
٨٥ - ﴿ فأتبع سببا ﴾ من تلك الأسباب قال المفسرون : والمعنى طريقا تؤديه إلى مغرب الشمس قال الزجاج : فأتبع سببا من الأسباب التي أوتي وذلك أنه أوتي من كل شيء سببا فأتبع من تلك الأسباب التي أوتي سببا في المسير إلى المغرب وقيل أتبع من كل شيء علما يتسبب به إلى ما يريد وقيل بلاغا إلى حيث أراد وقيل من كل شيء يحتاج إليه الخلق وقيل من كل شيء تستعين به الملوك من فتح المدائن وقهر الأعداء وأصل السبب الحبل فاستعين لكل ما يتوصل به إلى شيء قرأ ابن عامر وأهل الكوفة وعاصم وحمزة والكسائي ﴿ فأتبع ﴾ بقطع الهمزة وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وأبو عمرو بوصلها قال الأخفش : تبعته وأتبعته بمعنى مثل ردفته وأردفته ومنه قوله :﴿ فأتبعه شهاب ثاقب ﴾ قال النحاس : واختار أبو عبيدة قراءة أهل الكوفة قال لأنها من السير وحكى هو والأصمعي أنه يقال : تبعته وأتبعته إذا سار ولم يلحقه وأتبعه إذا لحقه قال أبو عبيدة : ومثله ﴿ فأتبعوهم مشرقين ﴾ قال النحاس : وهذا من الفرق وإن كان الأصمعي قد حكاه فلا يقبل إلا بعلم أو دليل وقوله عز و جل :﴿ فأتبعوهم مشرقين ﴾ ليس في الحديث أنهم لحقوهم وإنما الحديث لما خرج موسى وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه في البحر انطبق عليهم البحر والحق في هذا أن تبع واتبع وأتبع لغات بمعنى واحد وهو بمعنى السير
٨٦ - ﴿ حتى إذا بلغ مغرب الشمس ﴾ أي نهاية الأرض من جهة المغرب لأن من وراء هذه النهاية البحر المحيط وهو لا يمكن المضي فيه ﴿ وجدها تغرب في عين حمئة ﴾ قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ﴿ حامية ﴾ : أي حارة وقرأ الباقون ﴿ حمئة ﴾ أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء تقول : حمئت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها وحمأت البئر حمأتها بالتحريك كثرت حمأتها ويجوز أن تكون حامية من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء وقد يجمع بين القراءتين فيقال كانت حارة وذات حمأة قيل ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك في نظره ولا يبعد أن يقال لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر المحيط حتى يصل إلى تلك العين التي تغرب فيها الشمس وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس ومكن له في الأرض والبحر من جملتها ومجرد الاستبعادلا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره ﴿ ووجد عندها قوما ﴾ الضمير في عندها إما للعين أو للشمس قيل هم قوم لباسهم جلود الوحش وكانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم فقال :﴿ إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ﴾ أي إما أن تعذبهم بالقتل من أول الأمر وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن أو أمرا حسنا مبالغة بجعل المصدر صفة للأمر والمراد دعوتهم إلى الحق وتعليمهم الشرائع


الصفحة التالية
Icon