باب: مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها


هذا الباب من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير ولكن ذكره أبو عمرو الداني في آخر كتاب الإيجاز وعلى ما فيه نظم الشاطبي رحمهما الله تعالى ولا تعلق له بعلم القراءات إلا من جهة التجويد وهو علم مخارج الحروف مقدمة له وهي جمع مخرج وهو موضع خروج الحرف من الفم وهي مختلفة على ما يأتي بيانه قال مكي: اللحن لحنان جلي وخفي، فالجلي ترك الإعراب والخفي ترك إعطاء الحروف حقوقها وذلك إنما يكون بإخراجها من غير مخارجها وإدراجها في غير مدراجها وتحليتها بغير صفاتها الواردجة على ألسنة القراء الذين خصهم الله تعالى بنقل شريعة القراءة وإقامتهم لضبط ما اشتمل عليه من الألفاظ، فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ولا عذر للجاهل؛ لأن فرضه السؤال.
١١٣٤-
وَهَاكَ مَوَازِينُ الْحُرُوفِ وَمَا حَكَى جَهَابِذَةُ النُّقَّادِ فِيها مُحَصَّلا
هاك؛ أي: خذها اسم فعل والكاف للخطاب والموازين جمع ميزان وموازين الحروف مخارجها سماها بذلك؛ لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شيء من غيرها فهي تميزها وتعرف مقدارها كما يفعل الميزان وقوله: وما حكى في موضع نصب عطفا على موازين؛ أي: وخذ الذي حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها واستخراج صفاتها والجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق في النقد والنقاد جمع ناقد يقال: نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزيف وكنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم المتضلعين منه ومحصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى؛ أي: والذي حكاه العلماء محصلا وحسنت استعارة لفظ النقاد والجهابذة بعد ذكر الموازين وللشيخ -رحمه الله- في علم التجويد قصيدة يقول:
للحرف ميزان فلا تك طاغيا فيه ولا تك مخسر الميزان
١١٣٥-
وَلا رِيَبةٌ فِي عَيْنِهِنَّ وَلا رِبا وَعِنْدَ صَلِيلِ الزَّيْفِ يَصْدُقُ الاِبْتِلا
في عينهن؛ أي: في نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة؛ أي: لا شك في أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضروري لا شك فيه ولا يمكن الزيادة في التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى: تقيكم الحر؛ أي: والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله: ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية؛ يعني: أنه أتى بها خالصة العبارة في الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذي ادعيته لا يخفى؛ لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هي معروضة عليك؛ أي: عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا رديء ويقال أيضا درهم زائف وزيف؛ أي: رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو: رجل عدل، فيجوز أن يكون الزيف في البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار؛ أي: الناقد إذا اختبره وهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت


الصفحة التالية
Icon