ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يقول لهم قولا يظهر به عجزهم فقال : ٤٩ - ﴿ قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ﴾ أي قل لهم يا محمد فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن وأتبه جواب الأمر وقد جزمه جمهور القراء لذلك وقرأ زيد بن علي برفع أتبعه على الاستئناف : أي فأنا أتبعه قال الفراء : إنه على هذه القراءة صفة للكتاب وفي هذا الكلام تهكم به وفيه أيضا دليل على أن قراءة الكوفيين أقوى من قراءة الجمهور لأنه رجع الكلام إلى الكتابين لا إلى الرسولين ومعنى ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ إن كنتم فيما وصفتم به الرسولين أو الكتابين صادقين
٥٠ - ﴿ فإن لم يستجيبوا لك ﴾ أي لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب هو أهدى من الكتابين وجواب الشرط ﴿ فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ﴾ أي آراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة بلا حجة ولا برهان وقيل المعنى : فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به وتعدية يستجيبوا باللام هو أحد الجائزين ﴿ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ﴾ أي لا أحد أضل منه بل هو الفرد الكامل في الضلال ﴿ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾ لأنفسهم بالكفر وتكذيب الأنبياء والإعراض عن آيات الله
٥١ - ﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ قرأ الجمهور ﴿ وصلنا ﴾ بتشديد الصاد وقرأ الحسن بتخفيفها ومعنى الآية : أتبعنا بعضه بعضا وبعثنا رسولا بعد رسول وقال أبو عبيدة والأخفش : معناه أتممنا وقال ابن عيينة والسدي : بينا وقال ابن زيد وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا والأولى أولى وهو مأخوذ من وصل الحبال بعضها ببعض ومنه قول الشاعر :

( فقل لبني مروان ما بال ذمتي بحبل ضعيف لا تزال توصل )
وقال امرؤ القيس :
( يقلب كفيه بخيط موصل )
والضمير في لهم عائد إلى قريش وقيل إلى اليهود وقيل للجميع ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ فيكون التذكر سببا لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم


الصفحة التالية
Icon