٦٤ - ﴿ وقيل ادعوا شركاءكم ﴾ أي قيل للكفار من بني آدم هذا القول والمعنى : استغيثوا بآلهتكم التي كنتم تعبدونهم من دون الله في الدنيا لينصروكم ويدفعوا عنكم ﴿ فدعوهم ﴾ عند ذلك ﴿ فلم يستجيبوا لهم ﴾ ولا نفعوهم بوجه من وجوه النفع ﴿ ورأوا العذاب ﴾ أي التابع والمتبوع فقد غشيهم ﴿ لو أنهم كانوا يهتدون ﴾ قال الزجاج : جواب لو محذوف والمعنى : لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم ذلك ولم يروا العذاب وقيل المعنى : لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم وقيل المعنى : لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لعلموا أن العذاب حق وقيل المعنى : لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب وقيل قد آن لهم أن يهتدوا لو كانوا يهتدون وقيل غير ذلك والأول أولى
ويوم في قوله : ٦٥ - ﴿ ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ﴾ معطوف على ما قبله : ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي
٦٦ - ﴿ فعميت عليهم الأنباء يومئذ ﴾ أي خفيت عليهم الحجج حتى صاروا كالعمي الذين لا يهتدون والأصل فعموا عن الأنباء ولكنه عكس الكلام للمبالغة والأنباء الأخبار وإنما سمى حججهم أخبارا لأنها لم تكن من الحجة في شيء وإنما هي أقاصيص وحكايات ﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ لا يسأل بعضهم بعضا ولا ينطقون بحجة ولا يدرون بما يجيبون لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة قرأ الجمهور عميت بفتح العين وتخفيف الميم وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم
٦٧ - ﴿ فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين ﴾ إن تاب من الشرك وصدق بما جاء به الرسل وأدى الفرائض واجتنب المعاصي فعسى أن يكون من المفلحين : أي الفائزين بمطالبهم من سعادة الدارين وعسى إن كانت في الأصل للرجاء فهو من الله واجب على ما هو عادة الكرام وقيل إن الترجي هو من التائب المذكور لا من جهة الله سبحانه
٦٨ - ﴿ وربك يخلق ما يشاء ﴾ أي يخلقه ﴿ ويختار ﴾ ما يشاء أن يختاره ﴿ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ﴾ وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم : أي الاختيار إلى الله ﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ أي التخير وقيل المراد من الآية أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار بل الاختيار هو إلى الله عز و جل وقيل إن هذه الآية جواب عن قولهم :﴿ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ وقيل هذه الآية جواب عن اليهود حيث قالوا لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به
قال الزجاج : الوقف على ويختار تام على أن ما نافية قال : ويجوز أن تكون ما في موضع نصب بيختار والمعنى : ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة والصحيح الأول لإجماعهم على الوقف وقال ابن جرير : إن تقدير الآية ويختار لولايته الخيرة من خلقه وهذا في غاية من الضعف وجوز ابن عطية أن تكون كان تامة ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة وهذا أيضا بعيد جدا وقيل إن ما مصدرية : أي يختار اختيارهم والمصدر واقع موقع المفعول به : أي ويختار مختارهم وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير والراجح أول هذه التفاسير ومثله قوله سبحانه :﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ﴾ والخيرة التخير كالطيرة فإنها التطير اسمان يستعملان استعمال المصدر ثم نزه سبحانه نفسه فقال :﴿ سبحان الله ﴾ أي تنزه تنزها خاصا به من غير أن ينازعه منازع ويشاركه مشارك ﴿ وتعالى عما يشركون ﴾ أي عن الذين يجعلونهم شركاء له أو عن إشراكهم


الصفحة التالية
Icon