قوله : ٧١ - ﴿ قل أرأيتم ﴾ أي أخبروني ﴿ إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ﴾ السرمد الدائم المستمر من السرد وهو المتابعة فالميم زائدة ومنه قول طرفة :

( لعمرك ما أمري عليك بغمة نهاري ولا ليلي عليك بسرمد )
وقيل إن ميمه أصلية ووزنه فعلل لا فعمل وهو الظاهر بين لهم سبحانه أنه مهد لهم أسباب المعيشة ليقوموا بشكر النعمة فإنه لو كان الدهر الذي يعيشون فيه ليلا دائما إلى يوم القيامة لم يتمكنوا من الحركة فيه وطلب ما لا بد لهم منه مما يقوم به العيش من المطاعم والمشارب والملابس ثم امتن عليهم فقال :﴿ من إله غير الله يأتيكم بضياء ﴾ أي هل لكم إله من الآلهة التي تعبدونها يقدر على أن يرفع هذه الظلمة الدائمة عنكم بضياء : أي بنور تطلبون فيه المعيشة وتبصرون فيه ما تحتاجون إليه وتصلح به ثماركم وتنمو عنده زرائعكم وتعيش فيه دوابكم ﴿ أفلا تسمعون ﴾ هذا الكلام سماع فهم وقبول وتدبر وتفكر
ثم لما فرغ من الامتنان عليهم بوجود النهار امتن عليهم بوجود الليل فقال : ٧٢ - ﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة ﴾ أي جعل جميع الدهر الذي تعيشون فيه نهارا إلى يوم القيامة ﴿ من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ﴾ أي تستقرون فيه من النصب والتعب وتستريحون مما تزاولون من طلب المعاش والكسب ﴿ أفلا تبصرون ﴾ هذه المنفعة العظيمة إبصار متعظ حتى تنزجوا عما أنتم فيه من عبادة غير الله وإذا أقروا بأنه لا يقدر على ذلك إلا الله عز و جل فقد لزمتهم الحجة وبطل ما يتمسكون به من الشبه الساقطة وإنما قرن سبحانه بالضياء قوله :﴿ أفلا تسمعون ﴾ لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من درك منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل قوله :﴿ أفلا تبصرون ﴾ لأن البصر يدرك ما لا يدركه السمع من ذلك


الصفحة التالية
Icon