٧٣ - ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ﴾ أي في الليل ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ أي في النهار بالسعي في المكاسب ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ أي ولكي تشكروا نعمة الله عليكم وهذه الآية من باب اللف والنشر كما في قول امرئ القيس :
( كأن قلوب الطير رطبا ويابسا | لدى وكرها العناب والحشف البالي ) |
٧٤ - ﴿ ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ كرر سبحانه هذا لاختلاف الحالتين لأنهم ينادون مرة فيدعون الأصنام وينادون أخرى فيسكتون وفي هذا التكرير أيضا تقريع بعد تقريع وتوبيخ بعد توبيخ
وقوله : ٧٥ - ﴿ ونزعنا من كل أمة شهيدا ﴾ عطف على ينادي وجاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقق والمعنى : وأخرجنا من كل أمة من الأمم شهيدا يشهد عليهم قال مجاهد : هم الأنبياء وقيل عدول كل أمة والأول أولى ومثله قوله سبحانه :﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ ثم بين سبحانه ما يقوله لكل أمة من هذه الأمم بقوله :﴿ فقلنا هاتوا برهانكم ﴾ أي حجتكم ودليلكم بأن معي شركاء فعند ذلك اعترفوا وخرسوا عن إقامة البرهان ولذا قال :﴿ فعلموا أن الحق لله ﴾ في الإلهية وأنه وحده لا شريك له ﴿ وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ أي غاب عنهم وبطل وذهب ما كانوا يختلقونه من الكذب في الدنيا بأن لله شركاء يستحقون العبادة
ثم عقب سبحانه حديث أهل الضلال بقصة قارون لما اشتملت عليه من بديع القدرة وعجيب الصنع فقال : ٧٦ - ﴿ إن قارون كان من قوم موسى ﴾ قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ممتنع للعجمة والعلمية وليس بعربي مشتق من قرنت قال الزجاج : لو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف قال النخعي وقتادة وغيرهما : كان ابن عمران بن قاهث وقال ابن إسحاق : كان عم موسى لأب وأم فجعله أخا لعمران وهما ابنا السامري وخرج عن طاعة موسى وهو معنى قوله :﴿ فبغى عليهم ﴾ أي جاوز الحد في التجبر والتكبر عليهم وخرج عليهم وخرج عن طاعة موسى وكفر بالله قال الضحاك : بغيه على بني إسرائيل استخفافه بهم لكثرة ماله وولده وقال قتادة : بغيه بنسبته ما آتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه وحيلته وقيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم وقيل كان بغيه بغير ذلك مما لا يناسب معنى الآية ﴿ وآتيناه من الكنوز ﴾ جمع كنز وهو المال المدخر قال عطاء : أصاب كنزا من كنوز يوسف وقيل كان يعمل الكيمياء و ما في قوله ﴿ ما إن مفاتحه ﴾ موصولة صلتها إن وما في حيزها ولهذا كسرت ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع جعل المكسورة وما في حيزها صلة الذين واستقبح ذلك منهم لوروده في الكتاب العزيز في هذا الموضع والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به وقيل المراد بالمفاتح : الخزائن فيكون واحدها مفتح بفتح الميم قال الواحدي : إن المفاتح الخزائن في قول أكثر المفسرين كقوله :﴿ وعنده مفاتح الغيب ﴾ قال : وهو اختيار الزجاج فإنه قال : الأشبه في التفسير أن مفاتحه خزائن ماله وقال آخرون : هي جمع مفتاح وهو ما يفتح به الباب وهذا قول قتادة ومجاهد ﴿ لتنوء بالعصبة أولي القوة ﴾ هذه الجملة خبر إن وهي واسمها وخبرها صلة ما الموصولة يقال ناء بحمله : إذا نهض به مثقلا ويقال ناء بي الحمل : إذا أثقلني والمعنى : يثقلهم حمل المفاتح قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب والمعنى : لنتوء بها العصبة : أي تنهض بها قال أبو زيد : نؤت بالحمل : إذا نهضت به قال الشاعر :
( إنا وجدنا خلفا بئس الخلف | عبدا إذا ما ناء بالحمل وقف ) |
( إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة | وتحمل أخرى أفرحتك الودائع ) |