٧٧ - ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ﴾ أي واطلب فيما أعطاك الله من الأموال الدار الآخرة فأنفقه فيما يرضاه الله لا في التجبر والبغي وقرئ واتبع ﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ قال جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ونصيب الإنسان عمره وعمله الصالح قال الزجاج : معناه لا تنس أن تعمل لآخرتك لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته وقال الحسن وقتادة : معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه وهذا ألصق بمعنى النظم القرآني ﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ أي أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بما أنعم به عليك من نعم الدنيا وقيل أطع الله واعبده كما أنعم عليك ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما [ أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الإحسان فقال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ] ﴿ ولا تبغ الفساد في الأرض ﴾ أي لا تعمل فيها بمعاصي الله ﴿ إن الله لا يحب المفسدين ﴾ في الأرض
٧٧ - ﴿ قال إنما أوتيته على علم عندي ﴾ قال قارون : هذه المقالة ردا على من نصحه بما تقدم : أي إنما أعطيت ما أعطيت من المال لأجل علمي فقوله على علم في محل نصب على الحال وعندي إما ظرف لأوتيته وإما صلة العلم وهذا العلم الذي جعله سببا لما ناله من الدنيا قيل هو علم التوراة وقيل علمه بوجوه المكاسب والتجارات وقيل معرفة الكنوز والدفائن وقيل علم الكيمياء وقيل المعنى : إن الله آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل علمه مني واختار هذا الزجاج وأنكر ما عداه ثم رد الله عليه قوله هذا فقال :﴿ أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ﴾ المراد بالقرون الأمم الخالية ومعنى أكثر جمعا : أكثر منه جمعا للمال ولو كان المال أو القوة يدلان على فضيلة لما أهلكهم الله وقيل القوة الآلات والجمع الأعوان وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون لأنه قد قرأ التوراة وعلم علم القرون الأولى وإهلاك الله سبحانه لهم ﴿ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ﴾ أي لا يسألون سؤال استعتاب كما في قوله :﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ ﴿ فما هم من المعتبين ﴾ وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ كما في قوله :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ﴾ وقال مجاهد : لا تسأل الملائكة غدا عن المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون وقال قتادة : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها بل يدخلون النار وقيل لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية
٧٩ - ﴿ فخرج على قومه في زينته ﴾ الفاء للعطف على قال وما بينهما اعتراض و في زينته متعلق بخرج أو بمحذوف هو حال من فاعل خرج وقد ذكر المفسرون في هذه الزينة التي خرج فيها روايات مختلفة والمراد أنه خرج في زينة انبهر لها من رآها ولهذا تمنى الناظرون إليه أن يكون لهم مثلها كا حكى الله عنهم بقوله :﴿ قال الذين يريدون الحياة الدنيا ﴾ وزينتها ﴿ يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ﴾ أي نصيب وافر من الدنيا
واختلف في هؤلاء القائلين بهذه المقالة فقيل هم من مؤمني ذلك الوقت وقيل هم قوم من الكفار