بَعْدَمَا أخبرنَا عَنْهُم بِالْقِتَالِ فِي سَبيله فَلَو كَانَ المُرَاد من الْكَلَام الْقَتْل لم يكن فِي ظَاهر قَوْله ﴿سيهديهم وَيصْلح بالهم﴾ كَبِير معنى لِأَنَّهُ قتلوا بل إِنَّمَا يدل الظَّاهِر على أَنه وعدهم الْهِدَايَة وَإِصْلَاح البال جَزَاء لَهُم فِي الدُّنْيَا على قِتَالهمْ أعداءه وَأَن يدخلهم فِي الْآخِرَة وَالْجنَّة وَهَذَا أوضح الْوَجْهَيْنِ
﴿مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار من مَاء غير آسن﴾ ١٥
قَرَأَ ابْن كثير ﴿من مَاء غير آسن﴾ مَقْصُورا على وزن فعل قَالَ أَبُو زيد تَقول أسن المَاء يأسن أسنا فَهُوَ أسن كَقَوْلِك هرم الرجل فَهُوَ هرم وعرج فَهُوَ عرج وَمرض يمرض فَهُوَ مرض وَكَذَلِكَ أسن فَهُوَ أسن إِذا تَغَيَّرت رَائِحَته فَأعْلم الله أَن أَنهَار الْجنَّة لَا تَتَغَيَّر رَائِحَة مَائِهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ﴿من مَاء غير آسن﴾ بِالْمدِّ على فَاعل فالهمزة الأولى فَاء الْفِعْل وَالْألف بعْدهَا مزيدة فالمد من اجل ذَلِك تَقول أسن المَاء يأسن فَهُوَ آسن مثل أجن المَاء يأجن ويأجن إِذا تغير وَهُوَ آجن وَذهب فَهُوَ ذَاهِب وَضرب فَهُوَ ضَارب قَالَ الْأَخْفَش أسن لُغَة وَفعل إِنَّمَا هُوَ للْحَال الَّتِي تكون عَلَيْهَا فَأَما من قَالَ ﴿غير آسن﴾ على فَاعل فَإِنَّمَا يُرِيد ذَلِك لَا يصير إِلَيْهِ فِيمَا يسْتَقْبل
﴿الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُم وأملى لَهُم﴾ ٢٥
قَرَأَ أَبُو عَمْرو ﴿وأملي لَهُم﴾ بِضَم الْألف وَكسر اللَّام وَفتح الْيَاء