سبّح لله : نزّهه عن كل ما لا يليق به. العزيز : الذي لا ينازعه في ملكه شيء. الحكيم : الذي يفعل افعاله وَفْقَ الحكمة والصواب. الظاهر والباطن : هو الذي ظهرت دلائل وجوده وتكاثرت، وخفيتْ عنا ذاته فلم ترها العيون، فهو ظاهر بآثاره وافعاله، باطن بذاته. في ستة أيام : في ستة اطوار. استوى على العرش : استولى عليه. العرش : الملك والسلطان. ذات الصدور : مكنونات النفوس وخفيات السرائر.
بُدئت هذه السورة الكريمة بالتسبيح، وكذلك بدئت بعدها أربع سور مدنية، هي : الحشر والصف و الجمعة و التغابن. وأيُّ تسبيح! إن كل ما في الوجود يسبّح لله. وما هو هذا التسبيح؟. يقول علماء المادة اليوم :« ان التسبيح ها هنا لا يقتصر على كون الذرّات والأجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعَها اللهُ فيها، فهي بهذا تسبّحُ بحمد الله سبحانه، فهناك ما هو أبعدُ من هذا وأقرب الى مفهوم التسبيح الحيّ والتقديس الواعي. ان هذه الموجودات المادية تملك أرواحاً، وهي تمارس تسبيحَها وتقديسها بالروح، وربما بالوعي الذي لا نستطيع استيعاب ماهيّته، كما يقول تعالى في سورة الاسراء ٤٤ :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ حقا إن ادراك الطرائق التي تعمل بها الذراتُ والأجسام لَمِمّا يصعُب تحقيقه، ومهما تقدّم العلم وخطا خطواتهِ العملاقة، فسيظلُّ جانبٌ من أكثر جوانب التركيب الماديّ أهميةً بعيداً عن الكشف النهائي، مستعصياً على البَوْح بالسِّر المكنون ».
إن عصر الانكار الكلّي لحقائقَ علميةٍ معينة قد انتهى، وحلَّ محلّه اعتقادٌ سائد أخَذَ يتسع شيئاً فشيئا، في أن ميدانَ العِلم لا يشهَدُ تغيراتٍ فحسب، بل طَفَراتٍ وثورات.
ان نتائج فلسفيةً هامة ستتمخّض حقاً عن هذا التغير، والفرق بين ما هو طبيعي وما هو خارقٌ للطبيعة سوف يتناقص.. الفرقُ بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، والحضور والغيْب، والمادة والروح، والقدَر والحرّية، وستلتقي معطياتُ العلم مع حقائق الدين في عناق حار، لقاءً كثيراً ما حدّثنا عنه القرآنُ الكريم، كتابُ الله المعجزة.
لِله ملكُ السموات والأرض، يحيي ويميت كما يشاء ﴿ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. هو الاول بلا ابتداء قبلَ كل شيء، والآخر بلا انتهاء بعد كل شيء :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٨٨ ]. وهو الظاهر بالآثار والأفعال، والباطنُ فلا تدركه الأبصار ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ فلا يخفى عليه شيءٌ في السموات والأرض.
وهو الذي خلق هذا الكونَ في ستة أطوار، فدبَّره جميعه ثم استولى على العرش. وقد تقدَّم مثلُ هذه الآية في عدة سور : الأعراف ويونس وهود والفرقان والسجدة.
ثعلم كل ما يغيب في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يصعَد اليها، ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ عليمٌ بكم، محيطٌ بشئونكم في أيّ مكان كنتم. ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لله وحدَه مُلك السمواتِ والأرض، وإليه تُرجَع الأمور.
إنه يقلّب الليلَ والنهار ويقدّرها بحكمته كما يشاء، فتارةً يطولُ الليل ويقصُر النهار، وتارة يقصر الليلُ ويطول النهار، وتارة يجعلهما معتدلَين. ﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ وخفيِّ مكنوناتها، وما تضمره القلوب.