تبارك : تعالى ربنا عما لا يليق به. بيده الملك : له التصرف المطلق في هذا الكون. ليبلوكم : ليختبركم. طباقا : يشبه بعضها بعضا في الاتقان. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت : لا ترى فيما خلق الله من اختلاف وعدم تناسب واتقان صنعة. فارجع البصرَ : أعد النظر. هل ترى من فُطور : هل ترى من نقصٍ او شقوق. ثم ارجع البصرَ كرّتين : ثم أعد النظر مرة بعد مرة، وليس المراد مرتين فقط. ينقلب اليك : يرجع اليك. خاسئا : صاغراً ذليلا. وهو حسير : وهو كليل، ضعيف. بمصابيح : بنجوم كأنها مصابيح تضيء. رجوما : مفردها رَجْم وهو كل ما يرمى به. اذا أُلقوا فيها : اذا طُرحوا في جهنم كما يطرح الحطب في النار. شهيقا : تنفسا قويا. تفور : تغلي بشدة. تكاد تميَّزُ من الغيظ : تكاد تتقطع من شدة الغضب. فوج : جماعة. خَزَنَتُها : واحدها خازن، وهم الملائكة. نذير : رسول ينذركم ويحذركم. فسُحقا : فبعداً وهلاكا لأصحاب السعير.
افتتح الله تعالى هذه السورةَ الكريمة بتمجيد نفسه، وأخبر انّ بيدِه الملكَ والتصرفَ في جميع المخلوقات ﴿ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
ثم أخبر بأنه خلَقَ الموتَ والحياة لغايةٍ أرادها، هي أن يختبركم أيُّكم أصحُّ عملاً، وأخلصُ نيةً، وهو ذو العزةِ الغالبُ الذي لا يُعجزه شيء، الغفورُ لمن أذنبَ ثم تاب، فبابُ التوبة عنده مفتوح دائماً.
ثم بيّن الله تعالى انه أبدعَ سبع سمواتٍ طباقاً، يطابق بعضُها بعضا في دِقّة الصَّنعةِ والإتقان. والعددُ سبعة لا يفيد الحَصر، بل يجوز ان يكون هنا أكثر بكثير، ولكنّ القرآن يجري على مفهوم لغةِ العرب.. فإن هذا الكونَ العجيبَ فيه مَجَرّات لا حصر لها وكل مجرّةٍ فيها ملايين النجوم.
والسماءُ كل ما علانا فأظلَّنا والصورةُ التي يراها سكانُ الأرض في الليالي الصاية هي القبّة الزرقاءُ تزيّنها النجومُ والكواكب كأنها مصابيحُ، كما تُرى الشهبُ تهوي محترقةً في أعالي جوّ الأرض.
ما تَرى أيها الإنسان في صُنع اللهِ أيَّ تفاوت.
﴿ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾.
أعِد النظرَ في هذا الكون العجيب الصنع، وفي هذه السماء.. هل تجد اي خلل؟
﴿ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾
ثم أعِد البصرَ مرّاتٍ ومرات، وفكر في هذا الصنع البديع، يرجعْ إليك البصرُ وهو صاغرٌ وكليل.... ولا يمكن أن ترى فيها أيَّ خللٍ او عيب.
ثم بعدَ ان بيّن ان هذه السمواتِ وهذا الكونَ كلّه وُجد على نظامٍ دقيق متقَن، وهو مع ذلك الغايةُ في الحسن والجمال والبهاء قال :
﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير ﴾.
إن هذه السماء القريبة منّا والتي نراها - مزينةٌ بهذه النجوم المضيئة، والكواكبُ بهجةً للناظرين، وهدىً للسارِين والمسافرين في البر والبحر، والشهُبُ التي نراها متناثرةً في الليل رُجومٌ للشياطين، وقد أعدَدْنا لهم في الآخرةِ عذابَ النار.


الصفحة التالية
Icon