بسم الله الرحمن الرحيم

سورة آل عمران:
قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾، يحتمل أن المراد بالتأويل في هذه الآية الكريمة التفسير وإدراك المعنى، ويحتمل أن المراد به حقيقة أمره التي يؤول إليها وقد قدمنا في مقدمة هذا الكتاب أن من أنواع البيان التي ذكرنا أن كون أحد الاحتمالين هو الغالب في القرآن. يبين أن ذلك الاحتمال الغالب هو المراد؛ لأن الحمل على الأغلب أولى من الحمل على غيره. وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الغالب في القرآن إطلاق التأويل على حقيقة الأمر التي يؤول إليها كقوله: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ﴾ [١٢/١٠٠]، وقوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُه﴾ الآية [٧/٥٣]، وقوله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ [١٠/٣٩]، وقوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [٤/٥٩]، إلى غير ذلك من الآيات. قال ابن جرير الطبري: وأصل التأويل من آل الشيء إلى كذا إذا صار إليه، ورجع يؤول أو لا، وأولته أنا صيرته إليه، وقال: وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى: [الطويل]
على أنها كانت تأول حبها... تأول ربعي السقاب فأصحبا
قال: ويعني بقوله: تأول حبها مصير حبها ومرجعه، وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيرا في قلبه فآل من الصغر إلى العظم، فلم يزل ينبت حتى أصحب فصار قديما كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب، فصار كبيرا مثل أمه. قال وقد ينشد هذا البيت: [الطويل]
على أنها كانت توابع حبها... توالي ربعي السقاب فأصحبا
اهـ. وعليه فلا شاهد فيه، والربعي السقب الذي ولد في أول النتاج، ومعنى أصحب انقاد لكل من يقوده، ومنه قول امرىء القيس: [المتقارب]
ولست بذي رثية إمر... إذا قيد مستكرها أصحبا


الصفحة التالية
Icon