المجلد الثالث
سورة بني إسرائيل
...

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة بني إسرائيل
قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ويكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، فإنا نبين ذلك. فإذا علمت ذلك.
فاعلم أن هذا الإسراء به ﷺ في هذه الآية الكريمة، زعم بعض أهل العلم أنه بروحه ﷺ دون جسده، زاعماً أنه في المنام لا اليقظة، لأن رؤيا الأنبياء وحي.
وزعم بعضهم: أن الإسراء بالجسدِ، والمعراج بالروح دون الجسد، ولكن ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده ﷺ يقظةً لا مناماً، لأنه قال: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، ولأنه قال: ﴿سُبْحَانَ﴾ والتَّسبيح إنما يكون عند الأمور العظام. فلو كان مناماً لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه. ويؤيده قوله تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [٥٣/١٧]؛ لأن البصر من آلات الذات لا الروح، وقوله هنا: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ [١٧/١].
ومن أوضح الأدلة القرآنية على ذلك قوله جل وعلا: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [١٧/٦٠] فإنها رؤيا عين يقظة، ولا رؤيا منام، كما صحَّ عن ابن عباس وغيره.
ومن الأدلة الواضحة على ذلك: أنها لو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة، ولا سبباً لتكذيب قريش، لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار، لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح، فالذي جعله الله فتنة هو ما رآه بعينه من الغرائب والعجائب.
فزعم المشركون أن من ادعى رؤية ذلك بعينه فهو كاذب لا محالة، فصار فتنة لهم. وكون الشجرة المعلونة التي هي شجرة الزقوم على التحقيق فتنة لهم: أن الله لما أنزل قوله: {إِنَّهَا


الصفحة التالية
Icon