المجلد السادس
سورة الفرقان
...

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفرقان
قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ﴿نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾، وهو هذا القرءان العظيم، ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾، وهو محمّد صلى الله عليه وسلم؛ لأجل أن يكون ﴿لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾، أي: منذرًا، وقد قدّمنا مرارًا أن الإنذار هو الإعلام المقترن بتهديد وتخويف، وأن كل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارًا، كما أوضحناه في أول سورة "الأعراف".
وهذه الآية الكريمة تدلّ على عموم رسالته ﷺ للأسود والأحمر والجنّ والإنس، لدخول الجميع في قوله تعالى: ﴿لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾.
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في آيات أُخر؛ كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾، أي: أرسلناك للناس ﴿كَافَّةً﴾، أي: جميعًا. وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾، وقوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾. وفي معنى قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ﴾ أقوال لأهل العلم، قال القرطبي: " ﴿تَبَارَكَ﴾ اختلف في معناه، فقال


الصفحة التالية
Icon