بسم الله الرحمن الرحيم

سورة القصص
قوله تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
قد قدّمنا أن قوله هنا: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾، هو الكلمة في قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾، ولم يبيّن هنا السبب الذي جعلهم به أئمة جمع إمام، أي: قادة في الخير، دعاة إليه على أظهر القولين. ولم يبيِّن هنا أيضًا الشىء الذي جعلهم وارثيه، ولكنّه تعالى بيَّن جميع ذلك في غير هذا الموضع؛ فبيّن السبب الذي جعلهم به أئمة في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾، فالصبر واليقين هما السبب في ذلك، وبيّن الشىء الذي جعلهم له وارثين بقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَهُمْ مّن جَنَّتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾
اعلم أن التحقيق إن شاء اللَّه، أن اللام في قوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾، لام التعليل المعروفة بلام كي، وذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾.
وإيضاح ذلك أن قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾، صريح في أن اللَّه تعالى يصرف مشيئة العبد وقدرته بمشيئته جلَّ وعلا، إلى ما سبق به علمه، وقد صرف مشيئة فرعون، وقومه بمشيئته جلَّ وعلا، إلى التقاطهم موسى؛ ليجعله لهم عدوًّا وحزنًا،


الصفحة التالية
Icon