بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التغابن
قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماوَاتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التغابن: ١]
تقدم معنى التسبيح ومدلول ما في السماوات وما في الأرض في أول سورة الحشر والحديد وهذه السورة آخر السور المفتتحة بالتسبيح والفعل هنا بصيغة المضارع الدال على التجدد والحدوث والتذييل هنا بصفات الكمال لله تعالى بقوله ﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ للإشعار بأن الملك لله وحده لا شريك له نافذ فيه أمره ماض فيه حكمه بيده أزمة أمره كما في قوله تعالى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [٦٧/١].
وكقوله في سورة يس ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٣٦/٨٢-٨٣].
ومن قدرته على كل شيء وتصريفه لأمور ملكه كيف يشاء أن جعل العالم كله يسبح له بحمده تنفيذا لحكمة فيه كما في قوله ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٢٨/٧٠]، فجمع الحمد والحكم معا لجلالة قدرته وكمال صفاته قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: ٢].
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الدراسة المعنى أن الله هو الذي خلقكم وقدر على قوم منكم الكفر وعلى قوم منكم الإيمان ثم بعد ذلك يهدي كلا لما قدره عليه كما قال ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [٨٧/٣]، فيسر الكافر إلى العمل بالكفر ويسر المؤمن للعمل بالإيمان كما قال ﷺ "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ا هـ.
ومن المعلوم أن هذا النص من مازق القدرية والجبرية وأن أهل السنة يؤمنون أن كلا بقدر الله ومشيئته كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وهم أهل السنة وسط بين


الصفحة التالية
Icon