فجعل صلصالا كالفخار". ومثله قول مجاهد وقتادة، قالا: المنتن المتغير؛ من قولهم: قد أسن الماء إذا تغير؛ ومنه ﴿يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩] و ﴿مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد: ١٥]. ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
سقت صداي رضابا غير ذي أسن... كالمسك فت على ماء العناقيد
وقال الفراء: هو المتغير، وأصله من قولهم: سننت الحجر على الحجر إذا حككته به. وما يخرج من الحجرين يقال له السنانة والسنين؛ ومنه المسن. قال الشاعر:
ثم خاصرتها إلى القبة الحمراء... تمشي في مرمر مسنون
أي محكول مملس. حكي أن يزيد بن معاوية قال لأبيه: ألا ترى عبدالرحمن بن حسان يشبب بابنتك. فقال معاوية: وما قال؟ فقال قال:
هي زهراء مثل لؤلوة الغواص... ميزت من جوهر مكنون
فقال معاوية: صدق! فقال يزيد: [إنه يقول]:
وإذا ما نسبتها لم تجدها... في سناء من المكارم دون
فقال: صدق! فقال: أين قوله: ثم خاصرتها... البيت. فقال معاوية: كذب. وقال أبو عبيدة: المسنون المصبوب، وهو من قول العرب: سننت الماء وغيره على الوجه إذا صببته. والسن الصب. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "المسنون الرطب"؛ وهذا بمعنى المصبوب؛ لأنه لا يكون مصبوبا إلا وهو رطب. النحاس: وهذا قول حسن؛ لأنه يقال: سننت الشيء أي صببته. قال أبو عمرو بن العلاء: ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنه. والشن "بالشين" تفريق الماء، وبالسين المهملة صبه من غير تفريق. وقال سيبويه: المسنون المصور. أخذ من سنة الوجه وهو صورته. وقال ذو الرمة:
تريك سنة وجه مفرقة...
ملساء ليس لها خال ولا ندب
سورة الإسراء
...
قلت: قد ورد في هذا الباب حديث مرفوع فيه طول من حديث حذيفة، وقد كتبناه في كتاب التذكرة مقطعا في أبواب في أخبار المهدي، نذكر منها هنا ما يبين معنى الآية ويفسرها حتى لا يحتاج معه إلى بيان، قال حذيفة: قلت يا رسول الله، لقد كان بيت المقدس عند الله عظيما جسيم الخطر عظيم القدر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو من أجل البيوت ابتناه الله لسليمان بن داود عليهما السلام من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد" : وذلك أن سليمان بن داود لما بناه سخر الله له الجن فأتوه بالذهب والفضة من المعادن، وأتوه بالجواهر والياقوت والزمرد، وسخر الله تعالى له الجن حتى بنوه من هذه الأصناف. قال حذيفة: فقلت يا رسول الله، وكيف أخذت هذه الأشياء من بيت المقدس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بني إسرائيل لما عصوا الله وقتلوا الأنبياء سلط الله عليهم بختنصر وهو من المجوس وكان ملكه سبعمائة سنة، وهو قوله :﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ فدخلوا بيت المقدس وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال وأخذوا الأموال وجميع ما كان في بيت المقدس من هذه الأصناف فاحتملوها على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعوها أرض بابل، فأقاموا يستخدمون بني إسرائيل ويستملكونهم بالخزي والعقاب والنكال مائة عام، ثم إن الله عز وجل رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس أن يسير إلى المجوس في أرض بابل، وأن يستنقذ من في أيديهم من بني إسرائيل؛ فسار إليهم ذلك الملك حتى دخل أرض بابل فاستنقذ من بقي من بني إسرائيل من أيدي المجوس واستنقذ ذلك الحلي الذي كان في بيت المقدس ورده الله إليه كما كان أول مرة وقال لهم: يا بني إسرائيل إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالسبي والقتل، وهو قوله: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء: ٨] فلما رجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس عادوا إلى المعاصي فسلط الله عليهم ملك الروم قيصر، وهو قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ فغزاهم في البر والبحر فسباهم وقتلهم وأخذ أموالهم ونساءهم، وأخذ حلي جميع بيت المقدس واحتمله على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعه