ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار أإله مع الله يفعل ذلك فتعبدوه. والوقف على ﴿ أَنَّ مَعَ اللَّهِ﴾ حسن. ﴿قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ قرأ أبو عمرو وهشام ويعقوب: ﴿يذَّكَّروْ﴾ بالياء على الخبر، كقول: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] و ﴿تعالى الله عما يشركون﴾ فأخبر فيما قبلها وبعدها؛ واختاره أبو حاتم. الباقون بالتاء خطابا لقوله: ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ﴾.
قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ﴾ أي يرشدكم الطريق ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ إذا سافرتم إلى البلاد التي تتوجهون إليها بالليل والنهار. وقيل: وجعل مفاوز البر التي لا أعلام لها، ولجج البحار كأنها ظلمات؛ لأنه ليس لها علم يهتدى به. ﴿وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي قدام المطر باتفاق أهل التأويل. ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ يفعل ذلك ويعينه عليه. ﴿تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ من دونه.
قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ كانوا يقرون أنه الخالق الرازق فألزمهم الإعادة؛ أي إذا قدر على الابتداء فمن ضرورته القدرة على الإعادة، وهو أهون عليه. ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ يخلق ويرزق ويبدئ ويعيد ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ أي حجتكم أن لي شريكا، أوحجتكم في أنه صنع أحد شيئا من هذه الأشياء غير الله ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
الآية: [٦٥] ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾
الآية: [٦٦] ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾. وعن بعضهم: أخفى غيبه على الخلق، ولم يطلع عليه أحد لئلا يأمن أحد من عبيده مكره. وقيل: نزلت في المشركين حين سألوا النبي ﷺ عن قيام الساعة. و ﴿مَنْ﴾ في موضع رفع؛ والمعنى: قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله؛ فإنه بدل من ﴿مَنْ﴾ قال الزجاج.
تفسير سورة العنكبوت
...
أبي سعيد الخدري قال: دخلت على النبي ﷺ وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك قال: "إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر" قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء" وقلت: ثم من قال: "ثم الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يحوبها وأن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء" وروى سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا أشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة أبتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة" وروى عبدالرحمن بن زيد أن عيسى عليه السلام كان له وزير فركب يوما فأخذه السبع فأكله فقال عيسى: يا رب وزيري في دينك وعوني على بني إسرائيل وخليفتي فيهم سلطت عليه كلبا فأكله قال: "نعم كانت له عندي منزلة رفيعة لم أجد عمله يبلغها فابتليته بذلك لأبلغه تلك المنزلة" وقال وهب: قرأت في كتاب رجل من الحواريين: إذ سلك بك سبيل البلاء فقر عينا فإنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين وإذا سلك بك سبيل الرخاء فابك على نفسك فقد خولف بك عن سبيلهم
قوله تعالى: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ﴾ أي فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم وقد مضى هذا المعنى في ﴿البقرة﴾ وغيرها قال الزجاج: ليعلم صدق الصادق بوقوع صدقه منه وقد علم الصادق من الكاذب قبل أن يخلقهما ولكن القصد قصد وقوع العلم بما يجازى عليه وإنما يعلم صدق الصادق واقعا كائنا وقوعه وقد علم أنه سيقع وقال النحاس: فيه قولان - أحدهما - أن يكون ﴿صَدَقُوا﴾ مشتقا من الصدق و ﴿الْكَاذِبِينَ﴾ مشتقا من الكذب الذي هو ضد الصدق ويكون المعنى؛ فليبينن الله والذين صدقوا فقالوا نحن مؤمنون واعتقدوا مثل ذلك والذين كذبوا حين اعتقدوا