وإنما هذا إعلامٌ من الله جل ثناؤه لليهود الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم وغيرهم من سائر المشركين به، سواءٌ عنده فيما لهم من العذاب الأليم والعقاب العظيم. وذلك أنهم كانوا يقولون: (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً)، اغترارًا بالله جل وعزّ وكذبًا عليه. فكذبهم تعالى ذكره بهذه الآية وبالتي بعدها، وحَسَم طمعهم، فقال لهم ولجميع الكفرة به وبرسوله:"إن الذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقُبّل منهم ولهم عذابٌ أليم. يُريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم"، يقول لهم جل ثناؤه: فلا تطمعوا أيُّها الكفرة في قَبُول الفدية منكم، ولا في خروجكم من النار بوسَائل آبائكم عندي بعد دخولكموها، إن أنتم مُتّم على كفركم الذي أنتم عليه، ولكن توبوا إلى الله توبةً نَصُوحًا. (١)
* * *

(١) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"يريدون أن يخرجوا من النار"، يريد هؤلاء الذين كفروا بربهّم يوم القيامة، أن يخرجوا من النار بعد دخولها، وما هم بخارجين منها="لهم عذاب مقيم"ن يقول: لهم عذابٌ دائم ثابت لا يزول عنهم ولا ينتقل أبدًا، كما قال الشاعر: (١)
فَإنَّ لَكُمْ بِيَوْمِ الشِّعْبِ مِنِّي عَذَابًا دَائِمًا لَكُمُ مُقِيمَا (٢)
(١) لم أعرف قائله.
(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٦٥.


الصفحة التالية
Icon