سورة الروم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٥١
مقصودها إثبات الأمر كله، فتأتي الوحدانية والقدرة على كل شيء، فيأتي البعث ونصر أوليائه، وخذلان أعدائه، وهذا هو المقصود بالذات، واسم السورة واضح الدلالة عليه بما كان من السبب في نصر الروم من الوعد الصادق والسر المكتوم ﴿بسم الله﴾ الذي يملك الأمر كله ﴿الرحمن﴾ الذي رحم الخلق كلهم بنصب الأدلة ﴿الرحيم*﴾ الذي لطف بأوليائه فأنجاهم من كل ضار، وحياهم كل نافع سار.
لما ختم سبحانه التي قبلها بأنه مع المحسنين قال :﴿آلم*﴾ مشيراً بألف القيام والعلو ولام الوصلة وميم التمام إلى أن الملك الأعلى القوم أرسل جبرائيل عليه الصلاة والسلام - الذي هو وصلة بينه وبين أنبيائه عليهم الصلاة والسلام - إلى أشرف خلقه محمد ﷺ المبعوث لإتمام مكارم الأخلاق، يوحي إليه وحياً معلماً بالشاهد واغائب، فيأتي الأمر على ما أخبر به دليلاً على صحة رسالته، وكمال علم مرسله، وشمول قدرته، ووجوب وحدانيته.
ولما أشير في آخر تلك بأمر الحرم إلى أنه سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء، وختم بمدح المجاهدين فيه، وأنه سبحانه لا يزال مع المحسنين، وكتنت قد افتتحت بأمر المفتونين، فكان كأنه قيل : لنفتننكم ولنعمين المفتين ولنهدين المجاهدين، وكان أهل فارس قد انتصروا على الروم، ففرح المشركون وقالوا للمسلمين : قد انتصر إخواننا الأميون على إخوانكم أهل الكتاب، فاننصرن عليكم، فأخبر الله تعالى بأن الأمر يكون على خلاف ما زعموا، فصدق مصدق وكذب مكذب، فكان في كل من ذلك من نصر
٥٨٢
أهل فارس وإخبار الله تعالى بإدالة الروم فتنة يعرف بها الثابت من المزلزل، وكان من له كتاب أحسن حالاً في الجملة ممن لا كتاب له، افتتحت هذه بتفصيل ذلك تصريحاً بعد أن اشار إليه بالأحرف المقطعة تلويحاً غيباً وشهادة، دلالة على وحدانيته وإبطال الشرك، فأثبت سبحانه أن له جميع الأمر وأنه يسرُّ المؤمنين بنصرة من له دين صحيح الأصل، وخذلان أهل العراقة في الباطل والجهل، وجعل ذلك على وجه يفيد نصر المؤمنين على المشركين، فقال مبتدئاً بما أفهمه كونه مع المحسنين مع أنه ليس مع المسيئين :﴿غلبت الروم*﴾ أي لتبديلهم دينهم غلبهم - الفرس في زمن أنوشروان أو بعده ﴿في أدنى الأرض﴾ أي أقرب ارضهم إلى ارضكم ايها العرب، وهي في أطراف الشام، وفي تعيين مكان الغلب على هذا الوجه - بشارة للعرب بأنهم يغلبونهم إذا وافقوهم، فإن موافقتهم لهم تكون في مثل ذلك المكان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٨٢
وقد كان كذلك بما كشف عنه الزمان، فكأنه تعالى يقول لمن فرح من العرب بنصر أهل فارس على الروم لنكاية المسلمين : اتركوا هذا السرور الذي لا يصوب نحوه من له همة الرجال، وأجمعوا أمركم وأجمعوا شملكم، لتواقعوهم في مثل هذا الوضع فتنصروا عليهم، ثم لا يقاومونكم بعدها أبداً، فتغلبوا على بلادهم ومدنهم وحصونهم وأموالهم ونسائهم وأبنائهم.