سورة الرحمن
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٧٠
ولما ختم سبحانه القمر بعظيم الملك وبليغ القدرة، وكان الملك القادر لا يكمل ملكه إلا بالرحمة، وكانت رحمته لا تتم إلا بعمومها، قصر هذه السورة على تعداد نعمه على خلقه في الدارين، وذلك من آثار الملك، وفصل فيها ما أجمل في آخر القمر من مقر الأولياء والأعداء في الآخرة، وصدرها بالاسم الدال على عموم الرحمة براعة للاستهلال، وموازنة لما حصل بالملك والاقتدار من غياية التبرك والظهور والهيبة
٣٧١
والرعب باسم هو مع انه في غاية الغيب دال على أعظم الرجاء مفتتحاً لها بأعظم النعم وهو تعليم الذكر الذي هز ذوي الهمم العالية في القمر إلى الإقبال عليه بقوله ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ لأنه لما كان للعظمة الدالة عليها نون ﴿يسرنا﴾ التي هي عماد الملك نظران : نظر الكبرياء والجبروت يقتضي أن يتكلم بما يعجز خلقه من كل جهة في الفهم والحفظ والإتيان بمثله وكل معنى من معانيه، ونظر الإكرام والرحمة، وكانت رحمته سابقة لغضبه نظر بها لخلقه لا سيما هذه الأمة المرحومة فيسر لها الذكر تحقيقاً للرحمة المقطعة أوائل السور، ومنع المتعنت من أن يقول : إنه لا معاني لها بأن الفهم الحروف المقطعة أوائل اسور، ومنع المتعنت من أن يقول : إنه لا معاني لها بأن فهم بعض الأصفياء بعض أسرارها، فقال جواباً لمن كانه قال : من هذا المليك المقتدر، فقيل :﴿الرحمن *﴾ أي العام الرحمة، قال ابن برجان : وهو ظاهر اسمه الله، وباطن اسمه الرب، جعل هذه الأسماء الثلاثة في ظهروها مقام الذات يخبر بها عنه وحجاباً بينه وبين خلقه، يوصل بها الخطاب منهم إليهم، ثم أسماؤه الظاهرة مبينة لهذه الأسماء الثلاثة - انتهى.
ومن مقتضى اسمه ﴿الرحمن﴾ انبثت جميع النعم، ولذا ذكر في هذه السورة أمهات النعم في الدارين.