سورة المعارج
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٢
لما ختم أمر الطامة الكبرى في الحاقة حتى ثبت أمره، وتساوى سره وجهره، ودل عليها حتى لم يبق هناك نوع لبس في وجوب التفرقة في الحكمة بين المحسن والمسيء، وختم بأن ترك ذلك مناف للكمال فيما نتعارقه من أمورالعمال بعد أن أخبر أنه يعلم أن منهم مكذبين، وكان السائل عن شيء يدل على أن السائل ما فهمه حق فهمه، ولا اتصف بحقيقة علمه، عجب في أول هذه ممن سأل عنها فقال :﴿سأل﴾ ودل على أنه لو لم يسأل عنها إلا واحدة من العباد لكان جديراً بالتعجب منه والإنكار عليه بالإفراد في قوله :﴿سائل﴾ وهو من السؤال في قراءتي من خفف بإبدال الهمزة ألفاً ومن همز.
١٤٤
ولما كان سؤالهم من وقت مجيء الساعة والعذاب الساعة والعذاب وطلبهم تجيل ذلك إنما هو استهزاء، ضمن " سأل " استهزاء ثم حذفه ودل عليه بحال انتزعها منه وحذفها ودل عليه بما تعدى به فقال، أو انه حذف مفعول السؤال المتعدي " بعن " ليعم كل مسؤول عنه إشارة إلى أن من تأمل الفطرة الأولى وما تدعو إليه من الكمال فأطاعها فكان مسلماً فاضت عليه العلوم، وبرقت له متجلية أشعة الفهوم، فبين المراد من دلالة النص بقوله :﴿بعذاب﴾ أي عن يوم القيامة بسبب عذاب أو مستهزئاً بعذاب عظيم جداً ﴿واقع *﴾ وعبر باللام تهكماً منهم مثل ﴿فبشرهم بعذاب﴾ فقال :﴿للكافرين﴾ أي الراسخين في هذا الوصف بمعنى : إن كان لهم في الآخرة شيء فهو العذاب، وقراءة نافع وابن عامر بتخفيف الهمزة أكثر تعجيباً أن اندفاع فمه بالكلام وتحركت به شفتاه لأنه مع كونه يقال : سال يسأل مثل خاف يخاف لغة في المهموز يحتمل أن يكون من سأل يسأل، قال البغوي : وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي ﷺ بالعذاب قالوا : من أهل هذا العذاب ولمن هو ؟ سلوا عنه، فأنزلت.
ولما أخبر بتحتم وقوعه علله بقوله :﴿ليس له﴾ أي بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل ﴿من الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له فلا أمر لأحد معه، وإذا لم يكن له دافع منه لم يكن دافع من غيره وقد تقدم الوعد به، ودلت الحكمة عليه فتحتم وقوعه وامتنع رجوعه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٤


الصفحة التالية
Icon