سورة القيامة
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٠
لما ذكر سبحانه الآخرة أول سورة المدثر وخوف منها بالتعبير بالناقور وما تبعه، ثم أعاد أمرها آخرها، وذكر التقوى التي هي أعظم أسباب النجاح فيها والمغفرة التي هي الدواء الأعظم لها، وكان الكفار يكذبون بها، وكان سبحانه قد أقام عليها من الأدلة من أول القرآن إلى هنا تارة مع الإقسام وأخرى مع الخلو عنه ما صيرها في حد البديهيات، وكانت العادة قاضية بأن المخبر إذا كذبه السامع حلف على ما أخبره به، وكان الإقسام مع تحقق العناد لا يفيد، أشار سبحانه وتعالى إلى أن الأمر قد صار غنياً عن الإقسام لما له من الظهور الذي لا ينكره إلا معاند، فقال مشيراً إلى تعظيمها والتهويل في أمرها بذكرها وإثبات أمرها بعدم الإقسام أو تأكيده :﴿لا أقسم﴾ أي لا أوقع الإقسام أو أوقعه مؤكداً ﴿بيوم القيامة *﴾ على وجود يوم القيامة أو بسبب وجوده لأن الأمر غني فيه عن ذلك وعلى القول بأنه قسم هو مؤكد بالنفي، ودخوله في التأكيد سائغ بل شائع في كلامهم جداً، وجاز القسم بالشيء على وجوده إشارة إلى أنه في العظمة في الدرجة العليا كما يقول الإنسان : والله إن الله موجود، أي لا شيء أحلف به على وجوده - يا أيها المنكر - أعظم منه حتى أحلف به ولا بد لي من الحلف لأجل إنكارك فأنا أحلف به عليه، فالمعنى حينئذ أنه لا شيء أدل على عظمة الله من هذين الشيئين فلذا أوقع القسم بهما، وسر التأكيد بـ " لا " - كما قال الرازي في اللوامع، إن الإثبات من طريق النفي آكد كأنه رد على المنكر أولاً ثم أثبت القسم ثانياً، فإن الجمع بين النفي والإثبات دليل الحصر.
ولما كان من المقرر المعلوم الذي هو في أقصى غايات الظهور أن من طلبه الملك طلب عرض وحساب وثواب وعقاب يلوم نفسه في كونه لم يبالغ في العمل بما يرضي الملك والإخلاص في موالاته، والتحيز إليه ومصافاته.