سورة الأنفال
مدنية
وقيل : إلا ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا﴾ الآيات السبع فمكية، وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية، وألف وخمس وسبعون كلمة، وخمسة آلاف وثمانون حرفاً.
﴿بسم الله﴾ الذي له العظمة الظاهرة والحكمة الباهرة ﴿الرحمن﴾ الذي عم جميع خلقه بنعمه المتواترة ﴿الرحيم﴾ الذي خص من أراد من عباده بما يرضيه فكان حامده وشاكره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٣١
﴿يسألونك﴾ يا أشرف الخلق يا محمد ﴿عن الأنفال﴾ أي : الغنائم لمن هي ؟
وكيف مصرفها ؟
وإنما سميت الغنيمة نفلاً ؛ لأنها عطية من الله تعالى وفضل منه كما يسمى به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿الأنفال والرسول﴾ يجعلانها حيث شاءا وأكثر المفسرين أن سبب نزولها اختلاف المسلمين في غنائم بدر كيف تقسم ؟
فقال الشبان : هي لنا ؛ لأنا باشرنا القتال، وقال الشيوخ : كنا ردأً لكم ولو انكشفتم لفئتم إلينا،
٦٣٢
فنزلت، وقيل : شرط رسول الله ﷺ لمن كان له غنا ـ وهو بفتح الغين المعجمة والمد النفع ـ أن ينفله فسار شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين، ثم طلبوا نفلهم، وكان المال قليلاً، فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات : كنا ردأ أي : عوناً لكم وفئة تنحازون إلينا، فنزلت فقسمها رسول الله ﷺ بينهم على السواء، رواه الحاكم في المستدرك، وعن عبادة بن الصامت : نزلت فينا معاشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله لرسول الله ﷺ فقسمه بين المسلمين على السواء، وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسول الله ﷺ وإصلاح ذات البين، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إنه قال : لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير، وقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وأتيت به رسول الله ﷺ واستوهبته منه فقال : هذا ليس لي ولا لك اطرحه في القبض، وهو بفتحتين : ما قبض من الغنائم فطرحته، وبي ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلاً حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله ﷺ "سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي اذهب فخذه" وقيل : إنها نزلت فيما يصل من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع، فهو للنبيّ ﷺ يصنع فيه ما يشاء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٣٢
واختلفوا هل هذه الآية منسوخة أو لا ؟
فقال مجاهد وعكرمة : هي منسوخة بقوله تعالى :﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه وللرسول﴾ (الأنفال، ٤١)
الآية فكانت الغنائم يومئذٍ للنبيّ ﷺ فنسخها الله تعالى بالخمس، وقال بعضهم : هي ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حراماً على الأمم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم، وأباحها الله تعالى بهذه الآية لهذه الأمة، وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا، ثم نسخت بآية الخمس، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة، ومعنى الآية : قل الأنفال لله وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى، وقد بيّن الله تعالى مصارفها في قوله :﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه﴾ الآية.
فإن قيل : ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول ؟
أجيب : بأنّ معناه أن حكم الغنيمة مختص بالله ورسوله بأمر الله يقسمها على ما تقتضيه حكمته، ويمتثل الرسول ﷺ أمر الله تعالى فيها وليس الأمر في قسمها مفوّضاً إلى رأي أحد ﴿فاتقوا الله﴾ بطاعته، واتركوا مخالفته واتركوا المخاصمة والمنازعة في الغنائم ﴿وأصلحوا ذات بينكم﴾ أي : وأصلحوا الحال فيما بينكم بالمودّة وترك النزاع وتسليم أمر الغنائم إلى الله ورسوله ﴿وأطيعوا الله ورسوله﴾ فيما يأمركم به وينهاكم عنه ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ حقاً، فإنّ الإيمان يقتضي ذلك.
﴿إنما المؤمنون﴾ أي : الكاملون في الإيمان ﴿الذين إذا ذكر الله﴾ أي : وعيده ﴿وجلت﴾ أي : خافت وخضعت ورقت ﴿قلوبهم﴾ أي : أنّ المؤمن إنما يكون مؤمناً كاملاً إذا كان خائفاً من الله تعالى، ونظيره قوله تعالى :﴿والذين هم من عذاب ربهم مشفقون﴾ (المعارج، ٢٧)
وقوله تعالى :﴿الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ (المؤمنون، ٢).
فإن قيل : إنه تعالى قال هنا :﴿وجلت قلوبهم﴾ وفي آية أخرى ﴿وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ (الرعد، ٢٨)
فكيف الجمع بينهما ؟
أجيب : بأنه لا منافاة بينهما ؛ لأنّ الوجل هو خوف العقاب، والاطمئنان إنما يكون من اليقين وشرح الصدر بمعرفة التوحيد، وهذا مقام الخوف والرجاء، وقد
٦٣٣
اجتمعا في آية واحدة وهي قوله تعالى :﴿تقشعر منه جلود الذين يخشون ريهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله﴾ (الزمر، ٢٣)
عند رجاء ثواب الله.


الصفحة التالية
Icon