سورة الفرقان
مكية إلا قوله تعالى :﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر﴾ إلى ﴿رحيماً﴾ فمدني، وآياتها سبع وسبعون آية، وثمانمائة واثنان وسبعون كلمة، وعدد حروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثمانون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له الحجة البالغة ﴿الرحمن﴾ الذي عم الخلق بنعمه ﴿الرحيم﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٢
﴿تبارك﴾ قال الزجاج : تفاعل من البركة وهي كثرة الخير وزيادته، ومنه تبارك الله، وفيه معنيان : تزايد خيره وتكاثر، أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله، وعن ابن عباس كأن معناه جاءنا بكل بركةوخير، وقال الضحاك : تبارك تعاظم، ولا يستعمل إلا لله تعالى ولا يتصرف فيه، ثم وصف ذاته الشريفة بما يدل على ذلك بقوله تعالى :﴿الذي نزل الفرقان﴾ أي : القرآن، والفرقان مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما، وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل ولأنه لم ينزل جملة واحدة، ولكن مفروقاً مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال ؛ ألا ترى
قوله تعالى :﴿وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث﴾ (الإسراء، ١٠٦)
﴿على عبده﴾ أي : محمد ﷺ وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف، وفي عود ضمير ﴿ليكون﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يعود على الذي نزل أي : ليكون الذي نزل الفرقان نذيراً.
الثاني : أنه يعود على الفرقان أي : ليكون الفرقان نذيراً، وأضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله تعالى :﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ (الإسراء، ٩)
؛ قال ابن عادل : وهو بعيد ؛ لأن المنذر والنذير في صفات الفاعل المخوف ووصف القرآن به مجاز وحمل الكلام على الحقيقة أولى.
الثالث : أنه يعود على عبده أي : ليكون عبده محمد ﷺ ﴿للعالمين نذيراً﴾ أي : وبشيراً، وهذا أحسن الوجوه معنىً وصناعة لقربه مما يعود عليه والضمير يعود على أقرب مذكور، وللعالمين متعلق بنذيراً، وإنما قدّم لأجل الفواصل، ونذيراً بمعنى منذر أي : مخوف ويجوز أن يكون مصدراً بمعى الإنذار كالنكير بمعنى الإنكار ومنه قوله تعالى :﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ (القمر، ١٦)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣
تنبيه : المراد بالعالمين قال البقاعي : أي : المكلفين كلهم من الجن والإنس والملائكة اه. ولكن في إرساله للملائكة خلاف بين العلماء، فقد نقل الجلال المحلي في شرحه على "جمع الجوامع" الإجماع على أنه لم يرسل إليهم، وغيره صرح بأنه أرسل إليهم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
فإن قيل : قوله تعالى : تبارك يدل على كثرة الخير والبركة، فالمذكور عقبه لا بد وأن يكون مبيناً لكثرة الخير والمنافع، والإنذار يوجب الغم والخوف فكيف يليق ذكره بهذا الموضع ؟
أجيب : بأن الإنذار يجري مجرى تأديب الوالد كما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الوالد أكثر كان رجوع الخلق إلى الله تعالى أكثر، وكانت السعادة الأخروية أتم وأكثر، وهذا كالتنبيه على أنه لا التفات إلى المنافع العاجلة ؛ لأنه تعالى لما وصف نفسه يعطي الخيرات الكثيرة لم يذكر إلا منافع الدين، ولم يذكر منافع الدنيا البتة، وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon