سورة الفلق
مكية
في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنية في قول ابن عباس وقتادة، وهي خمس آيات وثلاث وعشرون كلمة وأربعة وسبعون حرفاً.
﴿بسم الله﴾ الذي له جميع الحول ﴿الرحمن﴾ الذي استجمع كمال الطول ﴿الرحيم﴾ الذي أتم على أهل ودّه جميع النول."
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١٦
واختلف في سبب نزول سورة ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ فقال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم : كان غلام من اليهود يخدم النبيّ ﷺ فدنت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبيّ ﷺ وعدّة أسنان من مشطه وأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت هذه و﴿قل أعوذ برب الناس﴾ فيه.
وعن عائشة رضي الله عنها "أنّ النبيّ ﷺ طب، أي : سحر حتى كأنه يخيل إليه أنه صنع شيئاً وما صنعه، وأنه دعى ربه ثم قال : أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه، فقالت عائشة رضي الله عنها : وما ذاك يا رسول الله ؟
قال :"جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟
فقال الآخر : مطبوب، قال : من طبه ؟
قال : لبيد بن الأعصم، قال : فيماذا، قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، قال : فأين هو ؟
قال : في ذروان، وذروان بئر بني زريق، قالت عائشة رضي الله عنها : فأتاها رسول الله ﷺ ثم رجع إلى عائشة فقال : والله لكأنّ ماءها نقاعة الحناء ولكأنّ نخلها رؤوس الشياطين، قالت : فقلت : يا رسول الله هل أخرجته ؟
قال : أما أنا فقد شفاني الله وكرهت أن أثير على الناس منه شراً".
وعن زيد بن أرقم قال :"سحر النبيّ ﷺ رجل من اليهود فاشتكى ذلك أياماً فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن رجلاً من اليهود سحرك وعقد لك عقداً في بئر كذا وكذا، فأرسل رسول الله ﷺ علياً فاستخرجها فجاء بها، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله ﷺ كأنما نشط من عقال، قال : فما ذكر ذلك اليهودي ولا أرى وجهه قط". وروي "أنه كان تحت صخرة في البئر، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة فإذا فيها مشاطة من رأسه ﷺ وأسنان مشطه".
٧١٧
وعن مقاتل والكلبي : كان ذلك في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة، وقيل : كانت مغروزة بالإبرة فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشر آية سورة الفلق خمس آيات وسورة الناس ست آيات كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها فقام ﷺ كأنما نشط من عقال. وروي : أنه لبث فيه ستة أشهر اشتدّ عليه بثلاث ليال فنزلت المعوّذتان، وروي : أنه كان يخيل له أنه يطأ زوجاته، وليس بواطىء قال سفيان : وهذا أشدّ ما يكون من السحر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١٧
وعن أبي سعيد الخدري :"أنّ جبريل عليه السلام أتى النبيّ ﷺ فقال : يا محمد، اشتكيت، قال : نعم، قال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شرّ كل نفس أو عين حاسد، والله يشفيك بسم الله أرقيك".
فإن قيل : المستعاذ منه هل هو بقضاء الله وقدره، أو لا فإن كان بقضاء الله وقدره فكيف أمر بالاستعاذة مع أن ما قدر لا بدّ واقع ؟
وإن لم يكن بقضاء الله وقدره فذلك قدح في القدرة ؟
أجيب : بأنّ كل ما وقع في الوجود فهو بقضاء الله وقدره، والاستشفاء بالتعوّذ والرقي من قضاء الله يدل على صحة ذلك ما روى الترمذي عن أبي خزامة عن أبيه قال :"سألت رسول الله ﷺ فقلت : يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها هل يردّ من قضاء الله شيئاً ؟
قال : هو من قدر الله". قال الترمذي : هذا حديث حسن. وعن عمر : نفرّ من قدر الله إلى قدر الله، ومعنى أعوذ : أستجير وأعتصم وأحترز، والفلق : الصبح في قول الأكثرين، ومنه قوله تعالى :﴿فالق الإصباح﴾ (الأنعام : ٩٦)
لأنه ظا هر في تغير الحال، ومحاكاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفناء، والهلاك بالبعث والأحياء. وقال الملوي : الفلق بالسكون والحركة كل شيء انفلق عنه ظلمة العدم، وأوجد من الكائنات جميعاً. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه سجن في جهنم. وقال الكلبي : واد في جهنم. وقال الضحاك : يعني الخلق، وقيل : المطمئن من الأرض وجمعه : فلقان مثل خلق وخلقان، وقيل : الفلق الجبال والصخور وتنفلق بالمياه، أي : تنشق وقيل : هو التفليق بين الجبال لأنها تنشق من خوف الله تعالى. ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه تعالى، لأن الإعادة من المشارّ تربية.
ولما كانت الأشياء قسمين : عالم الخلق وعالم الأمر، وكان عالم الأمر خيراً كله فكان الشر منحصراً في عالم الخلق خصه بالاستعاذة فقال تعالى معمماً فيها :
﴿من شر ما خلق﴾ فخص عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشر فيه يكون اختيارياً من العاقل الداخل تحت مدلول ما وغيره من سائر الحيوانات كالكفر والظلم ونهش السباع ولدغ ذوات السموم، وتارة طبيعياً كإحراق النار، وإهلاك السموم.
وقيل : المراد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقاً شراً منه، ولأنّ السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل : من شر كل ذي شر.
وقوله تعالى :﴿ومن شر غاسق إذا وقب﴾ فيه أوجه : أحدها : ما روي عن عائشة قالت :"إن
٧١٨
رسول الله ﷺ نظر إلى القمر فقال : يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإنّ هذا هو الغاسق إذا وقب" أخرجه الترمذي، وقال : حديث صحيح حسن فعلى هذا المراد به القمر إذا خسف وأسود وذهب ضوءه، أو إذا دخل في المحاق وهو آخر الشهر، وفي ذلك الوقت يتم السحر المؤثر للتمريض، وهذا مناسب لسبب نزول هذه السورة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١٧


الصفحة التالية
Icon