سورة الأنفال
مدنية إلا من آية : ٣٠ إلى غاية ٣٦ فمكية
وآياتها ٧٥ نزلت بعد البقرة
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٤٧
٤٥٠
اعلم أن قوله :﴿يَسْاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ﴾ يقتضي البحث عن خمسة أشياء، السائل والمسؤول وحقيقة النفل، وكون ذلك السؤال عن أي الأحكام كان، وإن المفسرين بأي شيء فسروا الأنفال.
أما البحث الأول : فهو أن السائلين من كانوا ؟
فنقول إن قوله :﴿يَسْاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ﴾ إخبار عمن لم يسبق ذكرهم وحسن ذلك ههنا، لأن حالة النزول كان السائل عن هذا السؤال معلوماً معيناً فانصرف هذا اللفظ إليهم، ولا شك أنهم كانوا أقواماً لهم تعلق بالغنائم والأنفال وهم أقوام من الصحابة.
وأما البحث الثاني : وهو أن المسؤول من كان ؟
فلا شك أنه هو النبي صلى الله عليه وسلّم.
وأما البحث الثالث : وهو أن الأنفال ما هي فنقول : قال الزهري : النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل، وسميت الغنائم أنفالاً، لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، وصلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض الذي هو الأصل. وقال تعالى :﴿وَوَهَبْنَا لَه ا إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ (الأنبياء : ٧٢) أي زيادة على ما سأل.
وأما البحث الرابع : وهو أن السؤال عن أي أحكام الأنفال كان ؟
فنقول : فيه وجهان : الأول : لفظ السؤال، وإن كان مبهماً إلا أن تعيين الجواب يدل على أن السؤال كان واقعاً عن ذلك المعين، ونظيره قوله تعالى :﴿وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾ (البقرة : ٢٢٢) ﴿فِى الدُّنُيَا وَالاخِرَةِ ﴾ (البقرة : ٢٢٠) فعلم منه أنه سؤال عن حكم من أحكام المحيض واليتامى، وذلك الحكم غير معين، إلا أن الجواب كان معيناً لأنه تعالى قال في المحيض :﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ (البقرة : ٢٢٢) فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان سؤالاً عن مخالطة النساء في المحيض. وقال في اليتامى :﴿قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌا وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ (البقرة : ٢٢٠) فدل هذا الجواب المعين على أن ذلك السؤال المعين كان واقعاً عن التصرف في مالهم ومخالطتهم في المواكلة. وأيضاً قال تعالى :﴿وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾ (الإسراء : ٨٥) وليس فيه ما يدل على أن ذلك السؤال عن أي الأحكام إلا أنه تعالى قال في الجواب :﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى﴾ فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان عن كون الروح محدثاً أو قديماً، فكذا ههنا لما قال في جواب السؤال عن الأنفال :﴿قُلِ الانفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ دل هذا على أنهم سألوه عن الأنفال كيف مصرفها ومن المستحق لها.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٥٠
والقول الثاني : أن قوله :﴿يَسْاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ﴾ أي من الأنفال، والمراد من هذا السؤال : الاستعطاء على ما روي في الخبر، أنهم كانوا يقولون يا رسول الله أعطني كذا أعطني كذا، ولا يبعد إقامة عن مقام من هذا قول عكرمة. وقرأ عبد الله ﴿يَسْاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ﴾.
والبحث الخامس : وهو شرح أقوال المفسرين في المراد بالأنفال. فنقول : إن الأنفال التي سألوا عنها يقتضي أن يكون قد وقع بينهم التنازع والتنافس فيها، ويدل عليه وجوه : الأول : أن قوله :﴿قُلِ الانفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ يدل على أن المقصود من ذكر منع القوم عن المخاصمة والمنازعة. وثانيها : قوله :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ يدل على أنهم إنما سألوا عن ذلك بعد أن وقعت الخصومة بينهم. وثالثها : أن قوله :﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه ا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ يدل على ذلك.
إذا عرفت هذا فنقول : يحتمل أن يكون المراد من هذه الأنفال الغنائم، وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهراً ؛ ويحتمل أن يكون المراد غيرها.
أما الأول : ففيه وجوه : أحدها : أنه صلى الله عليه وسلّم قسم ما غنموه يوم بدر على من حضر وعلى أقوام لم يحضروا أيضاً، وهم ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الأنصار، فأما المهاجرون فأحدهم عثمان فإنه عليه السلام تركه على ابنته لأنها كانت مريضة، وطلحة وسعيد بن زيد. فإنه عليه السلام كان قد بعثهما للتجسس عن خبر العير وخرجا في طريق الشام، وأما الخمسة من الأنصار، فأحدهم أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، خلفه النبي صلى الله عليه وسلّم على المدينة، وعاصم خلفه على العالية، والحرث بن حاطب : رده من الروحاء إلى عمرو بن عوف لشيء بلغه عنه، والحرث بن الصمة أصابته علة بالروحاء، وخوات بن جبير، فهؤلاء لم يحضروا، وضرب النبي صلى الله عليه وسلّم لهم في تلك الغنائم بسهم، فوقه من غيرهم فيه منازعة. فنزلت هذه الآية بسببها، وثانيها : روى أن يوم بدر الشبان قتلوا وأسروا والأشياخ وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المصاف، فقال الشبان : الغنائم لنا لأنا قتلنا وهزمنا، وقال الأشياخ : كنا ردأ لكم ولو انهزمتهم لانحزتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا، فوقعت المخاصمة بهذا السبب. فنزلت الآية. وثالثها : قال الزجاج : الأنفال الغنائم. وإنما سألوا عنها لأنها كانت حراماً على من كان قبلهم، وهذا الوجه ضعيف لأن على هذا التقدير يكون المقصود من هذا السؤال طلب حكم الله تعالى فقط، وقد بينا بالدليل أن هذا السؤال كان مسبوقاً بالمنازعة والمخاصمة.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٥٠


الصفحة التالية
Icon