سورة الرعد
مدنية، وآياتها : ٤٣، نزلت بعد سورة محمد
سورة الرعد أربعون وثلاث آيات مكية
سوى قوله تعالى :﴿وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ﴾ (الرعد : ٣١) وقوله :﴿وَمَنْا عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ (الرعد : ٤٣) قال الأصم هي مدنية بالإجماع سوى قوله تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ (الرعد : ٣١).
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٢٤
٥٢٥
اعلم أنا قد تكلمنا في هذه الألفاظ قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه : أنا الله أعلم، وقال في رواية عطاء أنا الله الملك الرحمن، وقد أمالها أبو عمرو والكسائي وغيرهما وفخمها جماعة منهم عاصم وقوله :﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى آيات السورة المسماة بالمر. ثم قال : إنها آيات الكتاب. وهذا الكتاب الذي أعطاه محمداً بأن ينزله عليه ويجعله باقياً على وجه الدهر وقوله :﴿وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ مبتدأ وقوله :﴿الْحَقُّ﴾ خبره ومن الناس من تمسك بهذه الآية في نفي القياس فقال : الحكم المستنبط بالقياس غير نازل من عند الله وإلا لكان من لم يحكم به كافراً لقوله تعالى :﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَ أولئك هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة : ٤٤) وبالإجماع لا يكفر فثبت أن الحكم المثبت بالقياس غير نازل من عند الله. وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون حقاً لأجل أن قوله :﴿وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ﴾ يقتضي أنه لا حق إلا ما أنزله الله فكل ما لم ينزله الله وجب أن لا يكون حقاً، وإذا لم يكن حقاً وجب أن يكون باطلاً لقوله تعالى :﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ ﴾ (يونس : ٣٢) ومثبتو القياس يجيبون عنه بأن الحكم المثبت بالقياس نازل أيضاً من عند الله، لأنه لما أمر بالعمل بالقياس كان الحكم الذي دل عليه القياس نازلاً من عند الله. ولما ذكر تعالى أن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم هو الحق بين أن أكثر الناس لا يؤمنون به على سبيل الزجر والتهديد.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٢٥
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن أكثر الناس لا يؤمنون ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد وهو هذه الآية وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" : الله مبتدأ والذي رفع السموات خبره بدليل قوله :﴿وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الارْضَ﴾ (الرعد : ٣) ويجوز أن يكون الذي رفع السموات صفة وقوله :﴿يُدَبِّرُ الامْرَ يُفَصِّلُ الايَاتِ﴾ خبراً بعد خبر، وقال الواحدي : العمد الأساطين وهو جمع عماد يقال عماد وعمد مثل إهاب وأهب، وقال الفراء : العمد والعمد جمع العمود مثل أديم وادم وادم، وقضيم وقضم وقضم، والعماد والعمود ما يعمد به الشيء، ومنه يقال : فلان عمد قومه إذا كانوا يعتمدونه فيما بينهم.
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى استدل بأحوال السموات وبأحوال الشمس والقمر وبأحوال الأرض وبأحوال النبات، أما الاستدلال بأحوال السموات بغير عمد ترونها فالمعنى : أن هذه الأجسام العظيمة بقيت واقفة في الجو العالي ويستحيل أن يكون بقاؤها هناك لأعيانها ولذواتها لوجهين : الأول : أن الأجسام متساوية في تمام الماهية ولو وجب حصول جسم في حيز معين لوجب حصول كل جسم في ذلك الحين. والثاني : أن الخلاء لا نهاية له والأحياز المعترضة في ذلك / الخلاء الصرف غير متناهية وهي بأسرها متساوية ولو وجب حصول جسم في حيز معين لوجب حصوله في جميع الأحياز ضرورة أن الأحياز بأسرها متشابهة فثبت أن حصول الأجرام الفلكية في أحيازها وجهاتها ليس أمراً واجباً لذاته بل لا بد من مخصص ومرجح، ولا يجوز أن يقال إنها بقيت بسلسلة فوقها ولا عمد تحتها، وإلا لعاد الكلام في ذلك الحافظ ولزم المرور إلى ما لا نهاية له وهو محال فثبت أن يقال الأجرام الفلكية في أحيازها العالية لأجل أن مدبر العالم تعالى وتقدس أوقفها هناك. فهذا برهان قاهر على وجود الإله القاهر القادر. ويدل أيضاً على أن الإله ليس بجسم ولا مختص بحيز، لأنه لو كان حاصلاً في حيز معين لامتنع أن يكون حصوله في ذلك الحيز لذاته ولعينه لما بينا أن الأحياز بأسرها متساوية فيمتنع أن يكون حصوله في حيز معين لذاته فلا بد وأن يكون بتخصيص مخصص وكل ما حصل بالفاعل المختار فهو محدث فاختصاصه بالحيز المعين محدث وذاته لا تنفك عن ذلك الاختصاص وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث، فثبت أنه لو كان حاصلاً في الحيز المعين لكان حادثاً وذلك محال، فثبت أنه تعالى متعال عن الحيز والجهة، وأيضاً كل ما سماك فهو سماء، فلو كان تعالى موجوداً في جهة فوق جهة لكان من جملة السموات فدخل تحت قوله :﴿اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ فكل ما كان مختصاً بجهة فوق جهة فهو محتاج إلى حفظ الإله بحكم هذه الآية فوجب أن يكون الإله منزهاً عن جهة فوق. أما قوله :﴿تَرَوْنَهَا ﴾ ففيه أقوال : الأول : أنه كلام مستأنف والمعنى : رفع السموات بغير عمد. ثم قال :﴿تَرَوْنَهَا ﴾ أي وأنتم ترونها أي مرفوعة بلا عماد. الثاني : قال الحسن في تقرير الآية تقديم وتأخير تقديره : رفع السموات ترونها بغير عمد.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥


الصفحة التالية
Icon