سورة القصص
مكية كلها إلا قوله ﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِه هُم بِه يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا ءَامَنَّا بِه إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِه مُسْلِمِينَ﴾ وقيل إلا آية وهي ﴿إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ﴾ الآية وهي سبع
أو ثمان وثمانون آية
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٧٩
٥٨١
اعلم أن قوله تعالى :﴿طسام ﴾ كسائر الفواتح وقد تقدم القول فيها و﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى آيات السورة و﴿الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ هو إما اللوح وإما الكتاب الذي وعد الله إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلّم فبين أن آيات هذه السورة هي آيات ذلك الكتاب ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام، أو لأنه بين بفصاحته أنه من كلام الله دون كلام العباد، أو لأنه يبين صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم أو لأنه يبين خبر الأولين والآخرين، أو لأنه يبين كيفية التخلص عن شبهات أهل الضلال.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨١
أما قوله تعالى :﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ أي على لسان جبريل عليه السلام لأنه كان يتلو على محمد حتى يحفظه، وقوله :﴿مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ﴾ فهو مفعول ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ أي نتلو عليك بعض خبرهما بالحق محقين، كقوله :﴿تَنابُتُ بِالدُّهْنِ﴾ (المؤمنون : ٢٠) وقوله :﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه تعالى قد أراد بذلك من لا يؤمن أيضاً لكنه خص المؤمنين بالذكر لأنهم قبلوا وانتفعوا فهو كقوله :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة : ٢)، والثاني : يحتمل أنه تعالى علم أن الصلاح في تلاوته هو إيمانهم وتكون إرادته لمن لا يؤمن كالتبع، قوله تعالى :﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الارْضِ﴾ قرىء فرعون بضم الفاء وكسرها، والكسر أحسن وهو كالقسطاس والقسطاس ﴿عَلا﴾ استكبر وتجبر وتعظم وبغى، والمراد به قوة الملك والعلو في الأرض يعني أرض مملكته، ثم فصل الله تعالى بعض ذلك بقوله :﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ أي فرقاً يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم مخالفته أو يشيع بعضهم بعضاً في استخدامه أو أصنافاً في استخدامه أو فرقاً مختلفة قد أغرى بينهم العداوة ليكونوا له أطوع أو المراد ما فسره بقوله :﴿يَسْتَضْعِفُ طَآا ِفَةً مِّنْهُمْ﴾ أي يستخدمهم ﴿يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا﴾ فهذا هو المراد بالشيع. قوله :﴿يَسْتَضْعِفُ طَآا ِفَةً مِّنْهُمْ﴾ تلك الطائفة بنو إسرائيل، وفي سبب ذبح الأبناء وجوه : أحدها : أن كاهناً قال له يولد مولود في بني إسرائيل في ليلة كذا يذهب ملكك على يده، فولد تلك الليلة اثنا عشر غلاماً فقتلهم، وعند أكثر المفسرين بقي هذا العذاب في بني إسرائيل سنين كثيرة، قال وهب قتل القبط في طلب موسى عليه السلام تسعين ألفاً من بني إسرائيل. قال بعضهم في هذا دليل على حمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن وإن كذب فما وجه القتل ؟
وهذا السؤال قد يذكر في تزييف علم الأحكام من علم النجوم ونظيره ما يقوله نفاة التكليف إن كان زيد في علم الله وفي قضائه من السعداء فلا حاجة إلى الطاعة، وإن كان من الأشقياء فلا فائدة في الطاعة، وأيضاً فهذا السؤال لو صح لبطل علم التعبير ومنفعته، وأيضاً فجواب المنجم أن النجوم دلت على أنه يولد ولد لو لم يقتل لصار كذا وكذا، وعلى هذا التقدير لا يكون السعي في قتله عبثاً.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨١
واعلم أن هذا الوجه ضعيف لأن إسناد مثل هذا الخبر إلى الكاهن اعتراف بأنه قد يخبر عن الغيب على سبيل التفصيل، ولو جوزناه لبطلت دلالة الأخبار عن الغيب على صدق الرسل وهو بإجماع المسلمين باطل وثانيها : وهو قول السدي أن فرعون رأى في منامه أن ناراً أقبلت من بيت المقدس واشتملت على مصر فأحرقت القبط دون بني إسرائيل فسأل عن رؤياه فقالوا يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بقتل الذكور وثالثها : أن الأنبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السلام بشروا بمجيئه وفرعون كان قد سمع ذلك فلهذا كان يذبح أبناء بني إسرائيل، وهذا الوجه هو الأولى بالقبول، قال صاحب "الكشاف" :﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ حال من الضمير في ﴿وَجَعَلَ﴾ أو صفة لشيعا، أو كلام مستأنف و﴿يُذَبِّحُ﴾ بدل من ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ / وقوله :﴿إِنَّه كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ يدل على أن ذلك القتل ما حصل منه إلا الفساد، وأنه لا أثر له في دفع قضاء الله تعالى.
أما قوله :﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾ فهو جملة معطوفة على قوله :﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الارْضِ﴾ لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسيراً لنبأ موسى عليه السلام وفرعون واقتصاصاً له، واللفظ في قوله :﴿وَنُرِيدُ﴾ للاستقبال ولكن أريد به حكاية حال ماضية ويجوز أن يكون حالاً من ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم، فإن قيل كيف يجتمع استضعافهم وإرادة الله تعالى المن عليهم وإذا أراد الله شيئاً كان ولم يتوقف إلى وقت آخر ؟
قلنا لما كان منة الله عليهم بتخليصهم من فرعون قريبة الوقوع جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم.
أما قوله :﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَا ِمَّةً﴾ أي متقدمين في الدنيا والدين وعن مجاهد دعاة إلى الخير وعن قتادة ولاة كقوله :﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾ (المائدة : ٢٠)، ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ يعني لملك فرعون وأرضه وما في يده.
أما قوله :﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الارْضِ﴾ فاعلم أنه يقال مكن له إذا جعل له مكاناً يقعد عليه(أو يرقد) فوطأه ومهده، ونظيره أرض له ومعنى التمكين لهم في الأرض وهي أرض مصر والشام أن ينفذ أمرهم ويطلق أيديهم وقوله :﴿وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ قرىء ﴿وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا﴾ أي يرون منهم ما كانوا خائفين منه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود بني إسرائيل.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٥٨١
٥٨٢


الصفحة التالية
Icon