سورة المؤمن
ثمانون وخمس آيات مكية

بِسمِ الَّلهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٩٣
٤٩٦
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي حم بكسر الحاء، والباقون بفتح الحاء، ونافع في بعض الروايات، وابن عامر بين الفتح والكسر وهو أن لا يفتحها فتحاً شديداً، قال صاحب "الكشاف" : قرىء بفتح الميم وتسكينها، ووجه الفتح التحريك لالتقاء الساكنين وإيثار أخف الحركات نحو : أين وكيف، أو النصب بإضمار إقرأ، ومنع الصرف إما للتأنيث والتعريف، من حيث إنها اسم للسورة وللتعريف، وإنها على زنة أعجمي نحو قابيل وهابيل، وأما السكون فلأنا بينا أن الأسماء المجردة تذكر موقوفة الأواخر.
المسألة الثانية : الكلام المستقصى في هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة، والأقرب ههنا أن يقال حم اسم للسورة، فقوله ﴿حم ﴾ مبتدأ، وقوله ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ خبر والتقدير أن هذه السورة المسماة بحم تنزيل الكتاب، فقوله ﴿تَنزِيلَ﴾ مصدر، لكن المراد منه المنزل.
وأما قوله ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ فاعلم أنه لما ذكر أن ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ﴾ وجب بيان أن المنزل من هو ؟
فقال :﴿مِنَ اللَّهِ﴾ ثم بيّن أن الله تعالى موصوف بصفات الجلال وسمات العظمة ليصير ذلك حاملاً على التشمير عن ساق الجد عند الاستماع وزجره عن التهاون والتواني فيه، فبين أن المنزل هو ﴿اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٩٦
واعلم أن الناس اختلفوا في أن العلم بالله ما هو ؟
فقال جمع عظيم، أنه العلم بكونه قادراً وبعده العالم بكونه عالماً، إذا عرفت هذا فنقول ﴿الْعَزِيزُ﴾ له تفسيران أحدهما : الغالب فيكون معناه القادر الذي لا يساويه أحد في القدرة والثاني : الذي لا مثل له، ولا يجوز أن يكون المراد بالعزيز هنا القادر، لأن قوله تعالى :﴿اللَّهِ﴾ يدل على كونه قادراً، فوجب حمل ﴿الْعَزِيزُ﴾ على المعنى الثاني وهو الذي لا يوجد له مثل، وما كان كذلك وجب أن لا يكون جسماً، والذي لا يكون جسماً يكون منزّهاً عن الشهوة والنفرة، والذي يكون كذلك يكون منزّهاً عن الحاجة. وأما ﴿الْعَلِيمُ﴾ فهو مبالغة في العلم، والمبالغة التامة إنما تتحقق عند كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، فقوله ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ يرجع معناه إلى أن هذا الكتاب تنزيل من القادر المطلق، الغني المطلق، العالم المطلق، ومن كان كذلك كان عالماً بوجوه المصالح والمفاسد، وكان عالماً بكونه غنياً عن جر المصالح ودفع المفاسد، ومن كان كذلك كان رحيماً جواداً، وكانت أفعاله حكمة وصواباً منزّهة عن القبيح والباطل، فكأن سبحانه إنما ذكر عقيب قوله ﴿تَنزِيلَ﴾ هذه الأسماء الثلاثة لكونها دالة على أن أفعاله سبحانه حكمة وصواب، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يكون هذا التنزيل حقاً وصواباً، وقيل الفائدة في ذكر ﴿الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ أمران أحدهما : أنه بقدرته وعلمه أنزل القرآن على هذا الحد الذي يتضمن المصالح والإعجاز/ ولولا كونه عزيزاً عليماً لما صح ذلك والثاني : أنه تكفل بحفظه وبعموم التكليف فيه وظهوره إلى حين انقطاع التكليف، وذلك لا يتم إلا بكونه عزيزاً لا يغلب وبكونه عليماً لا يخفى عليه شيء، ثم وصف نفسه بما يجمع الوعد والوعيد والترهيب والترغيب، فقال :﴿غَافِرِ الذَّنابِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِا لا إِلَاهَ إِلا هُوَا إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ فهذه ستة أنواع من الصفات :
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٩٦


الصفحة التالية
Icon