سورة الانفطار
تسع عشرة آية مكية
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧٧
٧٧
اعلم أن المراد أنه إذا وقعت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة، فهناك يحصل الحشر والنشر، وفي تفسير هذه الآيات مقامات الأول : في تفسير كل واحد من هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة وهي ههنا أربعة، اثنان منها تتعلق بالعلويات، واثنان آخران تتعلق بالسفليات الأول : قوله :﴿إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ﴾ أي انشقت وهو كقوله :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ﴾ (الفرقان : ٢٥)، ﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ (الإنشقاق : ١)، ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ (الرحمن : ٣٧)، ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ و﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرُا بِه ﴾ (المزمل : ١٨) قال الخليل : ولم يأت هذا على الفعل، بل هو كقولهم : مرضع وحائض، ولو كان على الفعل لكان منفطرة كما قال :﴿إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ﴾ أما الثاني وهو قوله :﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ﴾ فالمعنى ظاهر لأن عند انتقاض تركيب السماء لا بد من انتثار الكواكب على الأرض.
واعلم أنا ذكرنا في بعض السورة المتقدمة أن الفلاسفة ينكرون إمكان الخرق والالتئام على الأفلاك، ودليلنا على إمكان ذلك أن الأجسام متماثلة في كونها أجساماً، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر، إنما قلنا : إنها متماثلة لأنه يصح تقسيمها إلى السماوية والأرضية ومورد التقسيم مشترك بين القسمين، فالعلويات والسفليات مشتركة في أنها أجسام، وإنما قلنا : إنه متى كان كذلك وجب أن يصح على العلويات ما يصح على السفليات، لأن المتماثلات حكمها واحد فمتى يصح حكم على واحد منها، وجب أن يصح على الباقي، وأما الإثنان السفليان : فأحدهما : قوله :﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ وفيه وجوه أحدهما : أنه ينفذ بعض البحار في البعض بارتفاع الحاجز الذي جعله الله برزخاً، وحينئذ يصير الكل بحراً واحداً، وإنما يرتفع ذلك / الحاجز لتزلزل الأرض وتصدعها. وثانيها : أن مياه البحار الآن راكدة مجتمعة، فإذا فجرت تفرقت وذهب ماؤها وثالثها : قال الحسن : فجرت أي يبست.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧٧
واعلم أن على الوجوه الثلاثة، فالمراد أنه تتغير البحار عن صورتها الأصلية وصفتها، وهو كما ذكر أنه تغير الأرض عن صفتها في قوله :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ﴾ (ابراهيم : ٤٨) وتغير الجبال عن صفتها في قوله :﴿وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ (طه : ١٠٦، ١٠٥) ورابعها : قرأ بعضهم :﴿فُجِّرَتْ﴾ بالتخفيف، وقرأ مجاهد :﴿فُجِّرَتْ﴾ على البناء للفاعل والتخفيف، بمعنى بغت لزوال البرزخ نظراً إلى قوله :﴿لا يَبْغِيَانِ﴾ (الرحمن : ٢٠) لأن البغي والفجور أخوان.
وأما الثاني : فقوله :﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ فاعلم أن بعثر وبحثر بمعنى واحد، ومركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما، والمعنى أثيرت وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها، ثم ههنا وجهان أحدهما : أن القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء، كما قال تعالى :﴿وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا﴾ (الزلزلة : ٢) والثاني : أنها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك لأن من أشراط الساعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها، ثم يكون بعد ذلك خروج الموتى، والأول أقرب، لأن دلالة القبور على الأول أتم.
المقام الثاني : في فائدة هذا الترتيب، واعلم أن المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم وفناء الدنيا/ وانقطاع التكاليف، والسماء كالسقف، والأرض كالبناء، ومن أراد تخريب دار، فإنه يبدأ أولاً بتخريب السقف، وذلك هو قوله :﴿إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ﴾ ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب، وذلك هو قوله :﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ﴾ ثم إنه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض وهو قوله :﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ ثم إنه تعالى يخرب آخر الأمر الأرض التي هي البناء، وذلك هو قوله :﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ فإنه إشارة إلى قلب الأرض ظهراً لبطن، وبطناً لظهر.


الصفحة التالية
Icon